قراءة في رواية "راضي" للكاتبة إيمان مرسي | آية السيابي

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

مسابقة الرواية

تحمل الرواية عنوان "راضي"*، وهي دلالة رمزية واضحة تتقاطع مع رحلة البطل. يشير الاسم إلى حالة الرضا، لكنه في الحقيقة يتناقض مع معظم أحداث القصة التي تعكس الوهن والتمزق الداخلي. العنوان يوحي بحتمية الوصول إلى حالة القبول والتسليم، لكنه في نفس الوقت يترك مجالًا للسؤال: هل الرضا قناعة حقيقية أم استسلام للظروف؟

إعتمدت الكاتبة إيمان مرسي في هذه الرواية القصيرة جدا على السرد الذاتي، حيث ينقل الراوي (راضي) تجربته الداخلية بصيغة المتكلم. هذا الأسلوب يعمّق إحساس القارئ بمعاناته النفسية والجسدية. التنقل بين الحاضر والماضي يتم بسلاسة عبر تداعيات الذكريات، ما يجعل القصة أقرب إلى تيار الوعي. وهذا ما يعكس قوة البنية السردية في الرواية.

أما عن التقنيات الفنية في الرواية، فتجدها في توظيف التباين بين الجمال والقبح، القوة والعجز، والخيانة والوفاء، مما يعزز البعد الدرامي.

 نلاحظ أيضًا حضورًا قويًا للرمزية، حيث يصبح الكرسي المتحرك تجسيدًا للعجز الذي لم يتمثّل في نوعه الجسدي فقط، وإنما امتد في رمزيته إلى النفسي والاجتماعي أيضًا.

تبرز في القصة شخصيات أساسية مثل: "راضي"، وهو بطل مأزوم، يبدأ القصة بكونه رجلاً واثقًا، مغويًا للنساء، لكنه يتحول إلى جسد عاجز بعد الحادث، لتبدأ رحلته في البحث عن المعنى. ثم الشخصية الأساسية الأخرى هي "نجوان"، وهي شخصية معقدة، تجمع بين القبح الخارجي والجمال الداخلي، وتصبح رمزًا للحب الصادق. ثم شخصية "مليكة"، الأخت التي تمثل البرود العاطفي والواقعية القاسية، لكنها تتحول في النهاية إلى دعم غير مباشر للبطل. أما شخصية الزوجة، وهي شخصية لم تكن حاضرة إلا كمحور رئيسي لتسلسل الأحداث. حيث تمثل الخيانة ولكنها تبقى بعيدة عن مركز القصة، لأنها تعتبر محفزا للتحولات الدرامية. والشخصية الأخيرة، هي "أحمد"، الصديق الذي يؤدي دور الوسيط، لكنه في النهاية يعكس عدم اهتمام المجتمع العميق بحالة راضي. ولا يمكن للمجتمع أن يقف أمام عجز أحد ما بصرف النظر عن مكانته الإجتماعية.

تناولت الكاتبة بعض الأفكار الرئيسية في البناء القصصي، نجدها تتجسد في فكرة التغيير القسري والإرادة الحرة، حيث يُجبر راضي على التغيير بعد الحادث، لكن قراراته بعد ذلك تصبح اختيارات مبنيّة عن قناعات شخصية. ثانيا: نجد الصورة الخارجية تناقض الجوهر الداخلي: وتتجلى هذه الفكرة في نجوان، حيث تتحطم معايير الجمال التقليدية أمام قوة الروح. 

حرصت الكاتبة أيضا على توظيف مفاهيم الخيانة والشك والغفران. حيث نجد الخيانة حاضرة في زوجته وأخته مليكة، لكن الأحداث تقدم استدراكا يتمثّل في إمكانيّة تبدّل المشاعر عبر علاقة صداقة جميلة بين مليكة ونجوان. والقصة تتأرجح بين التسليم بالقدر ومحاولة تغييره، كما يظهر في سعي راضي وراء نجوان رغم إعاقته.

رواية "راضي" تمثّل العطب النفسي أكثر من العجز الجسدي، إذ تصوّر لنا أنه يمكن للإنسان أن يكون مقيدًا بأفكاره أكثر من قيوده الجسدية. وهي أيضًا قصة عن الحب الذي يتجاوز المقاييس التقليدية والحدود المعلومة للجمال، وعن البحث عن القبول في عالم يحكم بالمظاهر.

* رواية راضي للمبدعة المصرية إيمان مرسي، هي رواية غير منشورة بعد، متأهلة إلى القائمة القصيرة للمسابقة العربية الكبرى في الرواية القصيرة جدا، المنظمة من قِبل المنتدى العربي للنقد المعاصر.

آية السيابي

كاتبة وروائية عُمانية

@aya_salim7

مجلة فن السرد | قراءات ودراسات


التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث