بُقَـعٌ مُنْفَلِتَة | بلال الخوخي

الكاتب: بلال.ختاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق



لحية مهذبة تتخللها شعيرات شائبة كأنما رُصّت بعناية، وجلباب كريمي أصيل يفيض نصاعًا، يضفي على ملامحه نورًا محببًا. أدخل المفتاح في قفل السيارة السوداء وأداره، ثم، قبل أن يلج إليها، أدار رأسه باحثًا. وحين وقعت عيناه على الرجل ذي (الجيلي)* الأصفر، أشار إليه بإيماءة خفيفة.

اقترب الرجل بخطوات سريعة وانحنى قليلًا وهو يقول:

_ السلام عليكم سيدي، يومكم سعيد.

ردّ عليه بهزة رأس وقور:

_ وعليكم السلام، هل أنجزت ما طلبت منك ليلة أمس؟

ابتسم الرجل بفخر ومسح بيده على السقف اللامع:

_ ها أنت ترى بعينيك، لم أترك على سيارتكم ذرة غبار، نظفتها بعناية تامة! انظر، حتى العجلات...

أومأ صاحب الجلباب وهو يتفحص السيارة بعين ناقدة، ثم مدّ إليه ورقة نقدية. تلقّاها الرجل بفرح، فانحنى شاكرًا وانطلق مستبشرًا، فيما تناول الآخر علبة المناديل الورقية، أخرج واحدًا، مسح يديه، ووضعه في الجزء المعقوف من الباب. ثم سحب آخر، مسح الزجاج من الداخل، والمقود، ومقبض السرعة، ثم جمعها جميعًا في نفس المكان.

 كان يعدّل أوضاع المرايا حين لمح بقعًا بيضاء صغيرة على إحداها. أطلّ برأسه من فوق الباب، قدمه اليمنى داخل السيارة واليسرى على الأرض، ثم أشار بإيماءة بالكاد تُرى.

هرع صاحب الجيلي إليه مجددًا:

_ تحت خدمتك سيدي.

لكن الرجل لم يُجب فورًا، بل مرر عينيه على البقع البيضاء، ثم أرسل نظراته باحثًا عن غيرها، قبل أن يتحول غضبه إلى حمرة خفيفة تعتلي وجهه. حك عنقه بسبابته وأشاح ببصره، مستجمعا كلماته بحرص كي لا يخدش وقاره وهيبته بتصرف لا يليق، ثم، أخيرا، أشار بأصبعه إلى المرآة:

_ هل هذا ما كنت تقصده بـ"عناية تامة"؟

اتسعت عينا صاحب الجيلي فاضطربت حركاته، انحنى سريعا ومسح زجاج المرآة بكمه سريعا ثم قال متلعثما:

_ اعذر زلتي ياسيدي، لا أعلم كيف أغفلتها.

نظر في عينيه مليا، ثم رد بنبرة باردة:

_ لكنك لم تصلح الزلة كما يجب، أم أن كم القميص هو وسيلتك المعتادة للتنظيف؟

انتفض المسكين ثم جرى نحو سطل عند ركن به كرسي بلاستيكي أبيض، بينما انعكس لمعان الجيلي الأصفر على الرجل المنتظر محملقا من نافذة السيارة.

غمس خرقة في الماء ومسح المرآة، ثم أتبعها بأخرى ناشفة اختتم بها المسح، ووقف منتظرا التقييم النهائي عساه ينال رضى زبونه الكريم.

عدل وضع جلبابه وأغلق الباب، ثم رفع بصره وابتسم للوجه المنتظر عند النافذة:

_ حسنا، شكرا لك، الآن تبدو جيدة.

تهللت الأسارير فانسحب مطمئنا، بينما بقي صاحب الجلباب يمسح أجزاء مما بداخل السيارة بالمناديل الورقية، تأكد أن الوضع ممتاز، وأن الهيأة تليق بمستواه. جمع المناديل المستعملة مع بعضها، وحرص على أن لا يكون أي واحد منها قد انزلق بين المقاعد أو وقع على البساط، ثم أنزل زجاج النافذة، وألقاها خارجا. بعدها، شغل المحرك، وانطلق.


الجيلي Gilet*: كلمة متداولة في اللهجة المغربية، تعني السُّترة، والجيلي الأصفر، هي السترة التي يرتديها معظم حراس السيارات في المغرب.

مجلة فن السرد | محاكاة


التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

iqraaPostsStyle6/محاكاة/6/{"cats":false}

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث