![]() |
حين تسكن الحرب جنتك، هل تبقى الجنة؟ |
الموت كضوء: هل ينطفئ الوجود أم تتجلى الحقيقة؟
عند قراءة "ذات حرب: من يسكن الجنة" باكورة أعمال الكاتبة والقاصة والفنانة التشكيلية السودانية وئام حمزة، الصادرة عام 2024 عن منشورات عندليب، نجد أنفسنا أمام نصوص تتماهى مع الضبابية الوجودية، حيث يبدو الموت مثل ضوء خافت لا نعرف إن كان غروبه فناءً أم إشراقًا على حقيقة لم نبلغها بعد.
الكاتبة، مثل ناسك يكتب وصاياه الأخيرة، تسائلنا: هل الجنة هي وعد ما بعد الحرب، أم مجرد سراب يحاول البطل بلوغه؟
كما في نصوص نيتشه حول العدم، تتجلى فكرة "ما كان عليك أن تصبر! ما كان عليك أن تنجو!". هنا، في قصص وئام حمزة، النجاة ليست خلاصًا، بل عبءً جديدًا، وكأن الجنة ليست مكانًا للراحة، بل محطة لمن يُجبر على الاستمرار. فهل البقاء حياة؟ أم أن الحقيقة تكمن في الغياب؟
الحب كربٍّ مستبد: هل الجحيم صنـَعه البشر؟
كما صوّر سارتر الجحيم على أنه "الآخرون"، فإن الحرب في هذه المجموعة القصصية ليست مجرد حدثٍ دموي، بل إلها مستبدا يفرض طقوسه. الشخصيات هنا كأنها حجاجٌ في معبد الخراب، يتوسلون الخلاص، لكن صوت الرصاص أعلى من صلواتهم. لا نجد إلهاً يجيب، بل حربًا تقف بين الإنسان وجنته، تحجبه عن نوره، كما حجب إبليسُ النورَ عن آدم حين أنزله إلى الأرض.
دماء زرقاء في الحلم: هل نحن في حلم إلهي؟
في "دم الأزرق: عودة وحيد القرن"، نشهد انقلابًا ميثولوجيًا، حيث يصبح الدم ليس أحمر، بل أزرق، وكأن الكاتبة تضعنا أمام تساؤل وجودي: إذا كان اللون رمزًا للحياة، فهل الأزرق لون الدم في عوالم أخرى، حيث الموت ليس موتًا بل انتقالًا؟
هذه الفكرة الفلسفية تذكرنا بتأملات المتصوفة حول الوجود كحلم إلهي، فهل نحن كائنات عابرة تحلم بها قوة عليا؟ أم أن هذا الدم الأزرق هو الحقيقة التي لم ندركها بعد؟
النص المقدس المفقود: هل الكلمات تحفظ الإنسان؟
في قصة "أين غاب؟: موت الراوي"، نرى شخصية تكتب، لكن ما تكتبه يُمحى وكأنه لم يكن. هنا تتجلى معضلة الإيمان بالنصوص: هل الكلمة تُخلِّد؟ أم أن الفناء يبتلع كل شيء، حتى الأدب؟ في الميثولوجيا الدينية، الكلمة الأولى خلقت العالم: "كن فيكون"، فهل غياب الكلمة هو الفناء؟
ختامًا: هل الجنة بعد الحرب؟ أم أن الجنة حربٌ أخرى؟
وئام حمزة لا تكتب قصصًا بقدر ما تفتح جروحًا فلسفية عميقة، تجعلنا نعيد التفكير في معنى الجنة، ومكانتها في وجودنا. هل الحرب هي العائق بيننا وبين الجنة، أم أنها التجربة التي تصنعها؟ كما يقول المتصوفة: "لن تصل إلى النور حتى تحترق"، فهل نحن بحاجة إلى الحريق كي نبلغ النعيم؟ أم أن النعيم مجرد وهم نطارده، كما طارد الإنسان الأول جنةً لم يعد يعرف طريقها؟
"ليتك متّ قبل هذا"، عبارة ترددت في أكثر من موضع، لكن هل هي دعوة للموت، أم تساؤل عن حكمة الحياة؟ "فحين تسكن الحرب الجنة، يصبح الفردوس رمادًا، ويغدو الخلاص عبئًا أثقل من الهلاك."
مجلة فن السرد | قراءات ودراسات
إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا