شمس القاهرة | مها دليور

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

شمس القاهرة

- لماذا تقفين هنا يا آنسة؟ وا أسفاه، هل تبكين؟

هذا ما كانت تسترجعه شمس وهي جالسة في مقهى الشركة تحتسي كوبا من القهوة، كانت تستعيد  الكلمات الأولى التي قالها لها أنس في أول مقابلة لهما، عندما رآها وهي تختبئ بإحدى الشوارع الجانبية تبكي، وتنعي ظروفها الصعبة؛ صفّ سيارته واقترب منها برفق، ثم سألها عن سبب بكائها بعد أن استأذنها، فانهارت بالبكاء، وحكت له عن ظروفها الصعبة، وعن حاجتها للعمل.

 ساعدها أنس حتى التحقت بالعمل في الشركة التي يعمل بها، ولقيت منه ما لقيت من الحنان والاهتمام، ما جعلها تتعلق به وتتقرب منه حتى خطبها.

 وجدت فيه ما افتقدته في والديها بعد أن رحلا إثر حادث سيارة منذ ثلاث سنوات، تنهدت و تمتمت: خسارة يا أنس، كنا سنصبح أفضل زوجين..

في هذا اليوم، استيقظت شمس بهمة ونشاط لتذهب إلى عملها الذي أثبتت فيه كفاءتها من أول يوم،  وتميزت على زملائها ليس لزيادة تفوق ومهارة، وإنما لرغبتها في البقاء في العمل، ولحاجتها إليه. نالت إعجاب مدير الشركة فقربها منه في العمل و عينها مديرة أعماله لسرعة إنجازها للأعمال، ونقلها من غرفة الموظفين إلى غرفة مساعدته الخاصة ياسمين فتقاسمتها معها..

وصلت شمس الشركة وكانت قد تأخرت عن موعدها المعتاد نصف ساعة، فوجدت زميلاتها يستقبلنها بكل برود و يجبن على تحيتها بنظرات من أعلى لأسفل، فاندهشت وسألتهن عن سبب ذلك، لَمْ يُجبنها وتجاهلنها، وأشحن عنها بوجوههن، فذهبت إلى أنس لعله يعرف شيئا عن ذلك فانفعل عليها قائلا:

لو كنت أعلم أنك خبيثة بهذا الشكل لما كنت توسطت لك للعمل بالشركة، لقد خدعت فيك.

تفاجأت شمس بأسلوبه فزعا واضطرب قلبها واحمر وجهها وقالت بصوت مهتز:

ما الذي حدث يا أنس؟

قال بسخرية: هيا.. هيا.. واصلي مسرحية البراءة التي مثلتها علي.

قالت وقلبها يرتجف، بصوت مرتعش:

ماذا حدث يا أنس؟

أشاح بوجهه عنها وقال لها زميل آخر و هو يواصل عمله:

دراسة الجدوى التي قدمتها للمدير أطاحت بزميلتك في المكتب، وأعادها لتعمل مع بقية الموظفين.

علا صوت أنفاس شمس وتساءلت بذهول: لماذا؟

ضحك أنس بسخرية، وأشار لزميله وهو يقول : إنها تسأل لماذا؟ لقد كان اختبارا لكما يا آنسة شمس، وهي لم تنجزه بكفاءة، فأبقى عليك وأعادها إلى المكان الذي تستحقينه أنت، يبدو أنك اتفقت مع المدير على كل شيء، والإشاعات التي كنت أنكرها أن بينك وبينه شيء ما، صحيحة.

أسرعت شمس مدافعة عن نفسها: لا تظلمني يا أنس، قاطعها باندفاع منفعلا: لا أظلمك! وكيف لراتبك أن يكون أعلى من راتبي و أنا أقدم منك في الشركة؟

همت شمس لترد عليه فقاطعها وهو يخلع خاتم الخطبة من يده قائلا: لا يمكن لامرأة خبيثة متآمرة مثلك أن تكون شريكة حياتي.

أسرعت شمس لتدافع عن نفسها مرة أخرى: أنس.. فقط.. اسمعني أعطني فرصة أدافع فيها عن نفسي.

 لم يرد عليها مغادرا الغرفة، فلم تيأس وهرولت خلفه وهي تحمل خاتم الخطبة وتناديه، ولكنها صدمت عندما وجدت كل زميلاتها في الشركة يقفن على باب الغرفة يتابعن كل ما يحدث بتشف وشماتة.

علمت حينها أن كل ما ستفعله متأخر، فقد اتفق الجميع عليها حتى من ظنت أنه أهلها بعد أن أصبحت وحيدة في هذه الدنيا، وتحملت هي مسؤولية نفسها بلا ظهر ولا سند.

وقفت شمس ثابتة وأخذت نفسا عميقا، منعت دموعها التي كانت على حافة عينيها من الإنهمار، وأقبلت عليهن تفسحهن عن طريقها لتذهب إلى مكتبها الملحق بمكتب المدير.

أغلقت الباب على نفسها وكادت تبكي لولا أن منعت نفسها عندما وقع نظرها على مرآة على مكتبها وقالت: لقد مررت بأكثر من ذلك يا شمس، و قهرت ضعفك وظروفك و خضت حياة مريرة بمفردك، استمري وواصلي، وستذلل لك الظروف كما تعودت دائما.

وفي فترة راحة الموظفين، جلست شمس بمفردها على طاولة تحتسي قهوتها، وهي تعلم جيدا أن الجميع يتحدثون عنها و يوبخنها، فظلت ثابتة تصطنع اللامبالاة وترتشف قهوتها بهدوء، لم يعجب هذا زملاءها، و قرروا أن يجبروها أن تذهب للمدير وتخبره بكفاءة ياسمين، وأنها أحق منها بمديرة أعماله، وبالفعل تربصوا خروجها من الشركة والتفوا حولها وألقوا عليها كلمات لاذعات من توبيخ وسباب وتجريح، وهي تحاول الدفاع عن نفسها ولكن بلا جدوى، فلم يعطوها فرصة للكلام أو التبرير حتى، وبغتة؛ أسكتهم جميعا صوت مهيب برز من خلفهم فإذا به المدير، فانقسموا لمجموعتين والتفتوا إليه بتوتر وهو يقول لهم:  ما كل هذه الجلبة؟

 فهمّت شمس بالرد عليه ولكنه قاطعها قائلا: لا تحزني يا ياسمين، سأعيدك إلى مكانك، لأرى ماذا ستفعلين، وابذلي قصارى جهدك للمحافظة عليه، فلن أجد أجدر منك بهذا المكان بعد أن تترك شمس العمل، فانقبض قلب شمس وشحب وجهها واغرورقت عيناها وهمت بالبكاء وسط نظرات الشماتة من زملائها، ولكن المدير اقترب منها قائلا لها: سأرقيك يا شمس من مديرة أعمالي في الشركة إلى مديرة أعمال حياتي كلها.

اندهش الجميع، لا سيما بعدما أعلن أمامهم:

أتتزوجيني يا شمس؟

احمر وجه شمس وتسارعت نبضات قلبها، ظهر عليها الخجل فطأطأت، فرد المدير قائلا:

السكوت علامة الرضا

وظلت شمس كما هي قاهرة بصلابتها وثباتها و ثقتها في نفسها.

مجلة فن السرد | مشاتل


التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث