سماءٌ تُمطرُ خوفًا | قراءة نقدية بحبر القلق

الكاتب: جمال كريمتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

                 

مجلة فن السرد


الكاتب جمال كريم
المبدع جمال كريم



رذاذٌ من البداية

          تفتح سماءٌ تُمطرُ خوفًا نوافذها على عتمةٍ لا نهائية، حيث لا شمسَ تشرقُ إلا بقلقٍ، ولا مطرَ ينهمرُ إلا وهو يتهجّى الخوفَ نقطةً نقطة. الكاتب غسان خالد ينسجُ روايته لا كحكايةٍ تُروى، بل كألمٍ يُسكَب في قوالب اللغة، حيث الكلماتُ تهتزُّ بين التلميح والتصريح، والوجوهُ تذوبُ بين الفكرة والفراغ.

متاهةُ الحبكة، أم حبكةُ المتاهة؟

      في سردٍ تتشابك فيه الأزمنةُ كأمواجٍ متكسّرة، تنهض الرواية على أكتافِ شخصياتٍ هائمةٍ في صحراءِ الذات، تبحثُ عن يقينٍ في بحرِ الاحتمالات. الأحداثُ تنسابُ كضوءٍ يتسرّبُ من بين أصابعِ الراوي، فمرةً يضيءُ شظايا الذاكرة، وأخرى يحرقُ ظلالَها حتى الذوبان. إنها ليست روايةَ صراعٍ تقليديٍّ بين الخيرِ والشرّ، بل معركةٌ بين الخوفِ واللاخوف، بين الذاتِ وانعكاسِها في مرايا الآخرين.

الشخصيات: صدى العزلة وارتعاشةُ التيه

      شخصياتُ "سماءٌ تُمطرُ خوفًا" ليست مجردَ أسماءٍ مكتوبة، بل كياناتٌ تسبحُ في محيطِ الاغتراب. إنها وجوهٌ من زجاج، كلما اقتربتَ منها أكثر، تشظّتْ في عينيكَ انعكاساتٍ متناقضة. لا بطلَ مطلق في الرواية، ولا هامشَ حقيقي، بل جميعُهم أبطالُ لحظاتِهم العابرة، يتناوبون الدورَ كما لو أن المسرحَ بلا خشبة، والممثلَ بلا قناع.

اللغة: نايُ الحزن وأوتارُ الفقد

       اللغةُ هنا ليست مجردَ وسيلةٍ لحكي الأحداث، بل هي بطلٌ خفيٌّ يتسللُ عبر السطور، يراقبُ، يتمردُ، يهمسُ، ثم يصرخُ فجأةً كما لو أنه يبحثُ عن خلاصٍ مستحيل. الكاتبُ لا يسيرُ في دروبِ الوصفِ المعتاد، بل يقتطعُ من المشهدِ أكثر لحظاته هشاشةً، ويتركُ التفاصيلَ تتداعى في ذهنِ القارئ كأنها بقايا حلمٍ لم يكتمل.

الرمزية: الظلُّ الذي يسبقُ الجسد

        ما بين العنوانِ وامتداده في ثنايا السرد، ينهضُ المطرُ كرمزٍ مواربٍ، تارةً يغسلُ الوجع، وتارةً يضاعفُه. أما الخوف، فهو ليس مجرد إحساسٍ عابر، بل حضورٌ كثيفٌ يلتفُّ حول الشخصيات كحبلٍ خفيٍّ، يحكمُ قبضتَه حينًا، ويتراخى حينًا، لكنه لا يزولُ أبدًا.

خاتمة: حين يكتبُ القلقُ نهايته

        ليست سماءٌ تُمطرُ خوفًا مجردَ روايةٍ تُقرأ، بل هي مرآةٌ تواجهُ بها ذاتَك، تُريكَ ارتعاشاتِك التي حسبتَها مستقرة، وتبعثُ فيكَ الأسئلة التي لطالما خشيتَ مواجهتَها. إنها صوتُ الخوفِ حين يتكلمُ بصمتٍ، ونشيدُ الوحدةِ حين يصبحُ الصمتُ لغةً أخيرة.

مجلة فن السرد   قراءات ودراسات

 

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث