ذكرى عصفورين | لحسن ملواني

المبدع لحسن ملواني_ المغرب

     في الحديقة عصفوران جميلان، هناك تحت شجرة الرمان فتاة تحدق فيهما... بحرقة أعماقها تحدثهما: " كنت معه مثلكما، نعيش معا في عش يحضن دفء قلبينا، صوته وصوتي واحد، أشعر أن لنا قلبا واحدا ، لنبضنا إيقاع سيمفوني جميل يضمنا في انتشاء، ولأننا كوجهي العملة الواحدة، فإننا نؤمن باستحالة الافتراق، فهو يعني موتا يجمعنا.

سافر فجأة وقلبي مسافر معه، كنت أحدثه بأسرارنا الخاصة، أقول له من منا يستطيع أن يعيش بلا نصفه الآخر؟ وكان يرد علي فورا:  من يستطيع؟ من يستطيع أن ينزع الشجر من جذوره، وأن يفرق بين الشمس وأشعتها؟

مر يوم، يومان، أسبوع، شهران وما يزال العشق محافظا على انتعاشه في قلبينا الفريدين...ما أقسى استرجاع الذكريات !!..."

في ذات الحديقة عاد العصفوران، تُرى لماذا ظلَّا ساكنيْن وجمال الورد والشجر يحيط بهما؟ همت بالنهوض لتسألهما عن هذا الجمود، ثم تذكرت أن للطير لغته وللإنس لغته، عادت إلى مقعدها وشعرت بارتفاع سرعة نبضها، وتعرق جسمها، وتدحرجت دمعة على خدها الجميل، مسحتها بكم قميصها الأخضر ولحقت بها دمعة أخرى، تركتها تتم مسيرتها حتى استقرت على صدرها، تساءلت وظل سؤالها عالقا يحتاج إلى جواب تراه مستحيلا.

نهضت ببطء متجهة إلى بيتها وعيناها تارة في الطريق وتارة في العصفورين...فكرت في العودة إليهما كي تسألهما رغم استحالة التواصل معهما، لكنهما طارا وكأنهما يعلمان بقدومها، وغير مستعدين لسماعها... في السماء افترقا وطارا في اتجاهين معاكسين، توقفت تفكر في الأمر، فتبادر إلى ذهنها أن الفرقة ممكنة في كل الأحوال.

في غرفتها أخذت صورته وشرعت تسائله كعادتها كي يجيبها بكلامه الشاعري، لكنها لاحظت شحوبا يغمر وجهه رويدا رويدا. ذبلت بسمته فجأة وصارت عيناه تحدق في مكان آخر، أطلقت الصورة فهوت على الأرض لتشوَّه تضاريس وجهه الجميل، استعادت ذكرى العصفورين فأحست بالوهن يسري في جسدها، حاولت مقاومة السقوط لكنها سقطت أخيرا؛ كانت تحدق في سماء عابسة على صفحتها عصفوران مضطربان لا يجمعهما مسار واحد...وهي تردد ما أقسى وجع الذكريات !!.

مجلة فن السرد |محاكاة