ورقة على شط البحر

الكاتب: شيماء ايت مخلوفتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 


مجلة فن السرد


انتظر أن تدق العقارب على الساعة الحادية عشرة ليلا، لينطلق في رحلته نحو المجهول، نحو مخرج من شبح البؤس الذي ينخر عظامه وعظام أسرته. ألقى بنظرة أخيرة على أمه وإخوته الثلاثة، الذين يغطون في نوم عميق، أمعن النظر فيهم مليا كأنما يحفظ ملامحهم الواحد تلو الآخر، انسكبت دمعة على خده مترجمة الوحشة التي تسكن داخله؛ ففي محيط القهر الاجتماعي، لا يختار إلا الهروب سبيلا من أجل مستقبل عائلته قبل ذاته.

يعبر المدن والقرى مشيا على الأقدام، يجتاز المجاري والغابات، تلتصق قدماه بالوحل، مثخنة بالجراح لكن لا مجال للتثاقل!.
 في طريقه، يحاول ألا يشد الأنظار إليه، ويحذر أن يكون مستهدفا أو يلمحه أحد المتربصين، إذ تلوك الألسنة موضوع "الحراكة" في كل مكان: في المقاهي، عند البقال، في جنبات الطرقات... يمدد جسمه الذي أضناه التعب على الرصيف، مسندا ظهره على حقيبته التي تحمل أحلاما و شهادات أغلق عليها، تصدر أمعاؤه قرقرة متواصلة، فيسيل جرعات ماء في حنجرته تسكن أعصابه وتخفف صراع أمواج قلبه. فجأة، ترتسم صورة والده الذي توفي قبل ثلاث سنوات على مهجة فؤاده مجددا، فيشتعل لهيب الشوق داخله، ثم يواصل السير من أجل سبع ساعات تنتظره للوصول للوجهة المبتغاة. 

تتعالى صفارات الإنذار والمراقبة، تسابق خطاه الرياح ليصل إلى شط البحر، في تلك الأثناء، يلقي بحقيبته على الأرض و يتخلى عن شهاداته، ربما ليبرر فعله أو ليوصل رسالته لصناع القرار قبل أن يسلم جسده لأمواج المتوسط، غير آبه بمن يلاحقه و يثبط خطواته، يسبح بكل ما أوتي من قوة، و تستعرض ذاكرته شريط الآلام التي تجرعها في مجتمعه، يستمر..لكن أنّى له أن يصل لأمله!.

لفظت الأمواج صباحا جثة تطفو على السطح، سارعت فرق الإنقاذ لإخراجها، وتجحفل الناس لمحاولة التعرف على الجثة، تسلل طفل ذو عشر سنوات بين الحشد، ملتقطا كومة شواهد ألقت بها الرياح إلى ركن غير بعيد. كانت آخر ما تبقى من هوية صاحبها، وقد استقبلها البحر بالرفض و عادت أدراجها دون كرامة إنسانية. حملها إلى أمه التي تخلفت إلى الوراء، سقطت ورقة من يديه شاقة طريقها بين الحشد، و تاركة المجال للأسئلة و المساءلات...من الضحية؟ و من المسؤول؟ ولماذا ؟ وكيف؟..
 علامات استفهام تسائل كل فاعل في مسرح المجتمع، بحقيقة واحدة متجلية: مفعول به وقع عليه فعل فاعل.
مجلة فن السرد | مشاتل
التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث