إن الفنون كالرسم، والتصوير، والنحت، والتمثيل، والموسيقى، والغناء، والأدب، تُعَدّ مصدرًا من مصادر تذوّق الجمال، والتربية فيها متعة وسُرور للمنشئ الذي يؤلّفها وينشئها، وللوسيط الذي يعرضها، وللمتلقي الذي يدركها. وهذه الفنون تؤثر في نفوس الكبار كما تؤثر في نفوس الصغار، لأنها غذاء للوجدان والعقل.
غير أن غذاء الصغار لا بد أن يختلف في نوعه وكمّه وأسلوبه وطريقة عرضه عن غذاء الكبار. هكذا، ففي" القصة فكرة ومغزى وخيال وأسلوب ولغة، ولكل هذه العناصر أثر في تكوين الطفل. ومن هذا، نشأت ضرورة الاستفادة من القصة في المدرسة، وضرورة اختيار الصالح منها وكيفية عرضها على الطفل". وعلى هذا، فإن تقرير القصة في المدرسة يُعَدّ مسألة تربوية محضة.
وبالتالي فالقصة أداة مركزية تعتمد عليها المنظومة من أجل تمرير غاياتها ومراميها . وغرسها في المتعلمين، الشيء الذي يدفعنا للتساؤل حول مدى تعزيز القصة للجوانب القيمية؟
دور القصص في تعزيز الجانب القيمي لدى المتعلمين:
إنَّ للقيم أهميةً كبيرةً في حياة الطفل، وتتجلَّى في قدرتها على توجيه نشاطه، وتحديد سلوكه، وتكامل شخصيته. وبالتالي، فالقيم توجِّه نشاط الطفل وتعكس الواقع، فهي أفكار أو ظواهر للوعي الاجتماعي، يُعبِّر الناس بواسطتها عن واقعهم وأهدافهم.
هكذا، فالأسلوبُ القصصي يُعدُّ من أقوى عوامل جذب الإنسان بطريقة طبيعية، وأكثرها تأثيرًا في شدِّ الانتباه إلى أحداثها. فهي بتصويرها العواطف، وأحاسيس الناس، وبيئاتها الزمانية والمكانية، وبلغتها، وبطرائق تقديمها المختلفة، تثير كثيرًا من الانفعالات لدى القرَّاء، وتجذبهم إليها حتى ينخرطوا مع شخصياتها ويتعاطفوا معهم، ويبقى أثرها محفورًا في نفوسهم.
وفي هذا السياق قام أدريان وسليمنت وفيلانفا ورايف (Adrian, Clemente, Villanueva, Rieffe, 2005) بإجراء دراسة ركزت على أثر قراءة الوالدين للكتب لأطفالهم، في نمو نظرية العقل؛ وتمثلت عينة الدراسة من (34) أمّاً على أن يقرأن لأطفالهن البالغ عددهم (34) طفلا، تتراوح أعمارهم بين (4) إلى (5) سنوات مع التركيز على أهمية استخدام لغة الحالات العقلية أثناء رواية القصة. وأظهرت النتائج تحسناً ملحوظاً في الأداء على مهام نظرية العقل، نتيجة قراءة القصص مع استخدام لغة العقل. كما قامت جرازاني وأورنجي واجليت وبرازيل (Grazzani, Ornghi, Agliati& Brazzill, 2016)، بإجراء دراسة تدريبية بخصوص أثر الحوار في تحسين حديث الأطفال، والفهم الانفعالي، والسلوك الاجتماعي لدى (105) طفلاً إيطاليا، تراوحت أعمارهم بين (2-3) سنوات، ضمن مجموعات تدريبية تضم كل مجموعة (4-6) أطفال، ومجموعة ضابطة واحدة لم تتعرض لأي تدريب، واستمر التدريب لمدة شهرين. تم عمل قياس قبلي للأطفال عن طريق تعبئة الوالدين لاستبيان مكون من عشرين فقرة، خاص بسلوك التعاطف، ومقياس الفهم الانفعالي للأطفال. وأظهرت النتائج وجود تحسن دال إحصائياً في السلوك الاجتماعي للأطفال، وزيادة استخدامهم للكلمات الدالة على المعتقدات، والنوايا، مما يدل على فعالية أسلوب القصة، والحوار في تحسين نظرية العقل.
إلى جانب هاتين الدراستين، نجد الباحث محمد أحمد صوالحة الذي قام بتحليل واقع القيم في عينة من قصص الأطفال. وقد هدفت دراسته إلى معرفة مدى انتشار القيم في سلسلة "رحلات السندباد الصغير"، وهي مجموعة قصصية من تأليف الدكتور عماد زاكي، منشورة وموزعة. تكونت العينة من (14) قصة تناولت المواقع الأثرية والسياحية والمدن في المملكة الأردنية الهاشمية. استخدم الباحث أسلوب تحليل المحتوى في دراسته.
وقد توصلت الدراسة إلى أن القصص تضمنت (1503) قيمة، تشمل القيم الدينية، الاجتماعية، الاقتصادية، القومية، والوطنية. وكان توزيع هذه القيم متفاوتًا بين قيمة وأخرى، حيث جاءت القيم الاجتماعية في المرتبة الأولى، تلتها القيم الاقتصادية، ثم الدينية. وفي ختام الدراسة، أوصى الباحث بضرورة التزام مؤلفي قصص الأطفال بالتوازن والتكامل المنطقي في توزيع القيم عبر المجالات المختلفة في قصص الأطفال، وليس التركيز على مجال واحد على حساب آخر.
هكذا، تلعب القصص في المنهاج المغربي دورًا كبيرًا في غرس قيم العقيدة الإسلامية، وقيم المواطنة، وحقوق الإنسان، والقيم الدينية، والوطنية، والإنسانية بشكل عام. وهذه هي مجالات القيم التي يسعى المنهاج المغربي إلى تضمينها في المتعلمين. إضافة إلى ذلك، نجد في الميثاق الوطني مجموعة من القيم التي تساهم القصة في نقلها للمتعلمين، مثل: الإصلاح، والاعتدال، والتسامح، وحب العلم، والمبادرة الإيجابية، والحوار، وقبول الاختلاف، والممارسة الديمقراطية، والمعاملة الحسنة، والتعاون، والتضامن.
إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا