المبدع والناقد محمد أمنصور يصدر رواية "دموع باخوس" في طبعة جديدة

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

إصدار جديد رواية

متابعة وقراءة | زايد الرفاعي  


صدرت حديثا للروائي والناقد المغربي محمد أمنصور، رواية "دموع باخوس" في طبعتها الجديدة عن دار الفنك للنشر.

وظّف د. أمنصور في هذا المؤلف مجموعة من التقنيات جعلتها تندرج ضمن الرواية التجريبية. وتبلور  روايته فلسفة عيش خاصة، عبر عوالم واقعية وأخرى تخييلية، بعلاقات تنسجها مختلف القوى الفاعلة، المساهمة في تطوير الأحداث وتنامي مسار السرد.    

 لقد استغرق تشكيل الرواية أكثر من عشر سنوات، كما يصرح الكاتب نفسه. [أمنصور الذي يؤمن بأن الرواية _فن الحياة_ غير أن الحياة تتسم بالسرعة والرواية ينبغي أن تتسم بالبطء]، لذلك نجد د. أمنصور زاهدا في ما بات يُعرف بلإسهال الروائي، فلا يكتب ولا ينتج عملا أدبيا أو نقديا حتى تختمر الفكرة وتشتد رصانتها. 

وهو ما يفسر نضج الفكرة والأسلوب والمضمون، الذي أبانت عنه لغة الرواية، وهذا ليس غريبا على مبدع متفرد متمكن يجيد ترويض اللغة مثل محمد أمنصور، الذي يوَظِّفُ لغة سلسة عميقة في الآن نفسه، لغة روائية تتناول موضوعات عدة، وتطرح قضايا متنوعة اجتماعية، تاريخية، نفسية وطبقية، دون أن تفقد انسيابية الحكاية ورونقها التي تحقق متعة القراءة. تنطلق الرواية من واقعة سرقة تمثال الإله باخوس من مدينة وليلي الأثرية القريبة من مولاي ادريس ومكناس التاريخيتين. وما نتج عن ذلك من تحقيق السلطات لساكنة فرطاسة المجاورة لوليلي، حيث تعرض كثير من رجالها وشبابها لأنواع التحقيق الذي وصل أحيانا إلى نوع من التعذيب إثر عملية الاستنطاق لمعرفة سر سرقة التمثال الرخامي، والتي عبّر عنها الكاتب ب "اقتحموا البيوت الآمنة.. سحلوا الرجال في الأرض كالشياه المذبوحة أمام ذويهم، ضربوا، شتموا، بصقوا... الأمر الذي نجم عنه بسبب التعذيب موت والد أنور بطل الرواية، أنور الذي قرر إتمام دراسته العليا بفرنسا في علم التاريخ والأركيولوجيا حتى يثأر لأبيه، ولكل ضحايا فرطاسة والقرى المجاورة. وبالفعل استطاع أن يحصل على أعلى الدرجات العلمية ليعود بعدها إلى المغرب دون أن يحقق هدفه. 

بعد سنتين من عودته من فرنسا، يموت أيضا رفيق عمره علاء في المهجر بعد حياة عربدة مليئة بطقوس المجون من سهر وسمر وليالٍ حمراء، لعله يستمتع بكل لحظة من اللحظات المتبقية من حياته التي أيقن من قرب نهايتها بسبب المرض الخبيث، تاركا أمانة عند صديقته روزالي، كانت عبارة عن مجموعة من الأوراق المتضمنة لمسودة رواية لم يتمكن من إتمامها بعدما أنهكه المرض، طالبا من أنور أن يتمم كتابتها محققا حلم عمره؛ وهنا يجد القارئ نفسه أمام محكي آخر، بل أمام مشروع رواية معنونة بـ" منزل البهلوان". يتضمن المحكي الثاني، مِلَفّات:

تحكي فيها المسودة الأولى ( مخطوطات ذات الطيفين) قصة "إميلي أوفت" السائحة الأمريكية التي جاءت إلى وليلي باحثة عن تمثال الإله باخوس لتحقق حلم أختها شيلا، الباحثة التي أنجزت رسالة الدكتوراه حول موضوع وليلي بين الأسطورة والتاريخ، لكن القدر لم يمهلها إذ ماتت إثر حادثة انفجار الطائرة وهي في طريقها إلى وليلي. تلتقي إميلي بإدريس الموظف بمكتب البريد الذي يرافقها في رحلة بحثها عن باخوس، حيث تولّدت علاقة حب بينهما لدجة أنّ إميلي رأت في إدريس الإله باخوس، فوعدته بأن تدبر أمر التحاقه بها بأمريكا، غير أنها تنكرت له بعد عودتها.    

نجد أن أنور بعد الاطلاع على مشروع علاء، انتابته مجموعة من المشاعر لخصها في شعورين:

الأول؛ شعور بالحنين، ورغبة جامحة لمعانقة حلم. 

الثاني؛ هو شعور بالنفور وإحساس مضطّرِب بالغضب والعتاب.                               

تمتد أحداث الرواية وتتسلسل لنلفي تعدد الأجناس وتعدد الأصوات بل وتعدد الأحداث والموضوعات، لعل ما يلفت انتباه القارئ، القضايا المرتبطة بالواقع المغربي المعاش في فترة من فترات المغرب الحديث، أبرزها: سنوات الرصاص، خرق بعض المؤسسات للقانون، ضياع التراث الإنساني، حرية الرأي، العلاقة بالآخر. وبعضها الآخر بأسئلة الكتابة والنقد، والادب والفن. لينتقل بنا باسلوب مُباغت للحديث عن مرحلة ابتدأت مع العهد الجديد حيث أثيرت فيها قضية المعتقلين والمختطفين وضحايا الاعتقال وهيئة الإنصاف والمصالحة حيث المغرب قد دخل منعطفا جديدا أصبحت حرية العبير مكفولة، الحريات العامة مضمونة، والكلام أصبح مباحا حول الطابوهات وحول مجموعة من المواضيع التي كانت بالأمس من المحرمات لا يجرؤ الكانت بالأمس من المحرمات لا يجرؤ المواطن على إثارتها ومناقشتها. بل تحول الكلام إلى مطالب إصلاحية وحقوقية. 

 جاءت رواية دموع باخوس غنية بموضوعات وتقنيات تجعل القارئ يستمتع بعمق التيمات  وجمالية الصور البلاغية والأسلوبية التي يجيد الأديب محمد أمنصور نسجها بإحكام في إبداعاته الروائية، انطلاقا من دموع باخوس ومرورا بالمؤتفكة وفي انتظار مارلين مونورو وانتهاء برواية سيني كلوب.

تجدر الإشارة إلى أن د. محمد أمنصور، يشغل منصب أستاذ جامعي بكلية الآداب بمكناس، وإلى جانب دراساته الأكاديمية، له إسهامات في القصة والنقد والرواية منها: رواية "المؤتفكة"، "سيني كلوب"، "في انتظار مارلين مونورو"، والكتاب النقدي "خرائط التجريب الروائي"، و "قصة النسر والألواح"، ثم رواية "دموع باخوس" التي صدرت في طبعة جديدة بعد الطبعة الأولى الصادرة سنة 2010.

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث