قراءة في السياسة اللغوية بالمغرب: ملاحظات (1)

الكاتب: أنس بوسلامتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

مجلة فن السرد التعدد اللغوي بالمغرب

من خلال استقراء ما جاء حول المسألة اللغوية في الوثائق المرجعية الرسمية الكبرى وكذا في القانون الإطار 51.17، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

-       الحضور المتصاعد للمسألة اللغوية في الوثيقة التربوية المرجعية الأخيرة (الرؤية الاستراتيجية 2015– 2030) والوثيقة القانونية الأخيرة (القانون- الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي) مقارنة بوثائق مرجعية سابقة (الميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض)، وذلك سواء من حيث التناول الكمي أو المعالجة النوعية.

-       يلاحظ في السنوات الأخيرة أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين بدأ يُنسخ شيئا فشيئا، بدءا بصدور دستور 2011 والذي اعترف باللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للدولة، ومرورا بالرؤية الاستراتيجية 2015– 2030، والتي كرست الاتجاه في طريق تعزيز حضور اللغات الأجنبية في المناهج والبرامج، وانتهاء بالقانون- الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي انحاز بشكل واضح للتدريس باللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية.

-       يلاحظ على القانون الإطار ضبابية في الرؤية وعدم الحسم في المسألة اللغوية شأنها في ذلك شأن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وكأنها محاولة توفيقية لم يكتب لها النجاح، وذلك بسبب رغبتها في إرضاء الجميع، ولذلك جاءت لغتها فضفاضة عامة في هذا الشأن، هدفها الحفاظ على التوازنات الداخلية، أكثر من بلورة اختيارات بيداغوجية ملائمة لتعقيد الإشكالية اللغوية بالمغرب، وبذلك يتأجل البت في المشروع اللغوي حتى إشعار آخر، وهو ما يعني مزيدا من هدر زمن الإصلاح.

      إدراج المسألة اللغوية ضمن أهداف منظومة التربية والتكوين، حيث قرر القانون الإطار اعتماد هندسة لغوية منسجمة في مختلف مستويات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومكوناتها، وانفتاحه على مختلف الثقافات، وتحقيق النجاح المدرسي المطلوب[1]، غير أن تفاصيل هذه الهندسة اللغوية في القانون نفسه تثبت عدم انسجام هذه الهندسة.

-     الوثيقة تحمل بين ثناياها تناقضا فيما يخص الاختيارات اللغوية: ففي الوقت الذي تتحدث فيه عن أن اللغة العربية هي لغة التدريس الأساس، تقوض حضور هذه اللغة من خلال تفعيل مبدأ التناوب اللغوي بالتدرج على أساس تدريس بعض المضامين أو المجزوءات باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى القريب، وفي التعليم الإعدادي على المدى المتوسط، وباللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى المتوسط.

-       يقرر القانون الإطار أنه طبقا لأحكام الدستور ولاسيما الفقرة الأولى من الفصل 71 منه، وتطبيقا لأحكام هذا القانون، تحدد بتشريعات خاص التوجهات التي يجب اتباعها في مجال السياسة العمومية المتعلقة بكل مكون من مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا تنظيمها العام، ومن بينها القواعد العامة لهندستها اللغوية ومصادر تمويلها ومنظومة تقييمها[2]، لكننا نتساءل: إذا كان الإطار العام لهذه الهندسة الوارد في القانون الإطار يحمل عددا من نقط التناقض والتعارض، فكيف ستتم أجرأة هذه الهندسة وتنزيلها بتشريعات خاصة؟

-       عدم تحديد هذا القانون المسؤوليات والمهام والأدوار بوضوح فيما يخص الفاعلين والمتدخلين في أجرأة السياسة ولاختيارات اللغوية من دولة ومجتمع مدني وفاعلين تربويين وغيرهم.

-       تكريس الشحن في تلقين اللغات من خلال اعتبار العربية والأمازيغية والفرنسية: لغات إلزامية في كل مستويات التعليم المدرسي بوصفها لغة مدرّسة ولغة تدريس في التعليم الابتدائي واعتبار الإنجليزية لغة إلزامية بوصفها لغة مدرّسة ابتداء من الأولى إعدادي في أفق إدراجها في الرابعة ابتدائي، ولغة تدريس في بعض المضامين أو المجزوءات ابتداء من الثانوي التأهيلي وفي التعليم العالي وفي التكوين المهني، وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن من الصعب على الطفل اكتساب أكثر من لغة أو لغتين على أقصى تقدير في مرحلة التعليم الأولي والابتدائي.

-       الحفاظ على حضور رمزي للغة العربية في المسالك المدرسة باللغات الأجنبية في التعليم العالي من خلال إدراج وحدة دراسية "يتيمة" تلقن باللغة العربية[3].

-       محاولة القانون الإطار تقديم تأصيل وتأطير مفاهيمي للمسألة اللغوية بالمغرب، من خلال حديثها عن بعض المفاهيم الأساسية مثل التناوب اللغوي، لكن الموضوع – ونظرا لأهميته – كان يحتاج لتقعيد مفاهيمي أكثر مما نجده في هذه الوثيقة.

-       التناص الكبير بين بعض مضامين الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، إلى درجة استنساخ الوثيقة الأخيرة بعض فقرات أو نقط أو مواد الوثيقة الأولى، إلا أن الرؤية الاستراتيجية وثيقة مرجعية استرشادية، والقانون الإطار وثيقة قانونية ملزمة، وللإشارة، فهذا التناص لا يقتصر على المسألة اللغوية فقط.

-       بالتناقضات والضبابية  في الاختيارات اللغوية التي اعترت القانون الإطار، تم تكريس واحدة من أعقد الإشكاليات المطروحة على المنظومة التربوية منذ عشرات السنين، وهي التنافر بين القيم المحمولة في المحتويات الدراسية، حيث يعزز إشكالية القيم في المنهاج المغربي العام وكذا المناهج التخصصية للمواد الدراسية، كون هذه القيم تتسم في الوثائق الرسمية الكبرى لوزارة التربية الوطنية بالصياغة العامة والفضفاضة مما يفسح المجال واسعا للتأويل، إضافة إلى التجريد وغياب الأجرأة لهذه القيم وورودها بشكل ضمني غير صريح وانتقائية القيم وتناقض المرجعيات التي تأسست عليها هذه القيم، بل وتناقض واختلاف حتى الوثائق الرسمية المحددة لهذه القيم، حيث نجد لها تصنيفا معينا في الكتاب الأبيض الصادر عن وزارة التربية الوطنية سنة  2002 (قيم الهوية – قيم المواطنة – قيم العقيدة الإسلامية – قيم حقوق الإنسان والمبادئ الكونية) وتصنيفا مغايرا في التقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول القيم سنة 2017، والذي يقسم القيم إلى قيم الانتماء الديني والوطني وقيم المواطنة المحلية وقيم المحافظة على البيئة وتنميتها المستدامة وقيم البيئة المدرسية، ومن نتائج هذا التضارب الملاحظ في القيم الممررة بالمقارنة بين المواد المدرسة مثل اللغة العربية والتاريخ والتربية الإسلامية من جهة واللغتين الفرنسية والإنجليزية من جهة ثانية، وباستطلاع التجارب الدولية في ميدان القيم، يبين أن هناك العديد من الدول المتقدمة قد قدمت بعض النماذج في توحيد القيم من خلال البحث في المشترك بين مكونات المجتمع.



[1]- المملكة المغربية، ظهير شريف رقم 1.19.113، صادر في 7 ذي الحجة 1440 (9 غشت 2019) بتنفيذ القانون-الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الجريدة الرسمية عدد 6805، 19 غشت 2019، الباب الأول، المادة 3، ص 5625.

[2]- نفسه، الباب الثالث: مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وهيكلتها، المادة 17، ص 5628.

[3]- يُنظر في هذا الشأن المادة 32 من القانون الإطار.

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث