القصة القصيرة الفائزة بالمرتبة الثانية لمسابقة فن السرد 09

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

مسابقات قصة قصيرة


الذاكرة المريضة

عبد القدوس التجكاني/ المغرب


وقف المثقف أمام المرآة مليا، تأكد أن ربطة عنقه الحمراء مشدودة بعناية رافعا رأسه بزهو. ناولته زوجته المعطف الأسود، لبسه بسرعة ثم دلف إلى الباب ممسكا حقيبة جلدية. وصل إلى مقهاه المعتاد. أخرج كتابا من حقيبته، خاطب النادل مُصَاعرا: قهوة سوداء!!

وُضعت القهوة أمامه. تجاهل الأمر مدعيا استغراقه في القراءة. انسحب النادل في هدوء ثم أتبعه المثقف نظرة مختلَسة. تأكد من ابتعاده، فأخرج هاتفه. جعل الكتاب جانب الفنجان: أخذ صورة لغلافه حيث العنوانُ موسوم ب "المثقف والسلطة: إدوارد سعيد".

رقن على محرك البحث غوغل  : القراءة والقهوة؟ تراءت أمامه أقوال مأثورة. اختار منها واحدة، ثم نشر على الفايسبوك الصورة مرفقة بمقولة: القهوة هي القراءةُ العلنية لكتاب النفس المفتوح .. والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من أسرار.

 محمود درويش .

وقف أمامه ماسح الأحذية. شاب عبث بنضارته شظفُ العيش، يحمل بين يديه صندوقا خشبيا. أشار إليه. ثم مدد قدمه بين يديه. وضع المثقف الكتاب حاجزا بينه وبين الرجل الذي أثار انتباهه العنوان، ليسأله: تقرأ للمفكر العالمي إدوارد سعيد، لقد قرأت هذا الكتاب؟ كان وقع كلماته قويا. وكأنه سحبه من برج عال! ارتبك المثقف، قال في نفسه : أيعرف الرعاع إدوارد سعيد، أهو مثقف دون شهادة!!!! أعطاه درهمين ثم تجاهل سؤاله وطلب منه الانصراف.

نظر إلى الساعة، إنها العاشرة موعدُ الندوة الثقافية التي سيشارك فيها بورقة عنوانها: *صور المثقف في الرواية العربية المعاصرة*.  أغلق الكتاب الذي لم تقلب صفحة منه، منح النادل ثمن القهوة دون زيادة. أسرع إلى مكان الندوة. انتقى مكانه في المنصة: مُنح الكلمة: وضع يده على ربطة العنق، فالنظارة، ثم ثبت ناظريه على الورقة يقرأ دون أن يرفع رأسه نحو الحاضرين...

يسأل حاضرٌ صديقَه: المضمون عميق لكن قراءاته شائهة! عجيب هذا التناقض !!؟

آنت لحظة المداخلات. يسأله أحدهم سؤالا في مقاله. ليجيبه بنبرة متعالية: أتدري من أنا؟ ارتعشت يدا المثقف، تملكته هيستيريا، تدخل أحدهم فهدأه. شزر السائلَ فأدرك أنه نفسه ماسح الأحذية قد نزع عنه وزرته. كيف دخل إلى الندوة!!!

عاد إلى البيت، أمسك هاتفه، وكتب مرة أخرى في محرك غوغل: كيف أقنع الناس بأني مثقف؟ لم يجد جوابا شافيا. أغمض عينيه: عادت به الذاكرة إلى فصول الدراسة، حين كان فاشلا، استطاع التخرج بفضل أبيه الذي اشترى مثقفا متمكنا حرر له بحثه. تساءل عن ذلك المثقف؟؟؟ بحث عن اسمه في صفحة الفايسبوك: وجد خبرا عنه: إعفاء فلان من إدارة المركز الثقافي بالعاصمة.

استجدى الذكيَ الاصطناعي هذه المرة، سأله: كيف أطمس ذاكرتي؟

وضع أمامه إجابات فوضوية، أحاله إلى كتاب : الذاكرة، التاريخ، النسيان، بول ريكور !

حمّله: تصفحه! قرأ في إحدى الصفحات، الذاكرة المريضة، والذاكرة المتلاعب به! حاول أن يفهمها دون فائدة!  "سَكْرَنَ" غلاف الكتاب: ثم نشره على صفحته مرفقا بتدوينة: ريكور فيلسوف الذاكرة . فجأة توصل برسالة من جمعية ثقافية: تدعوه إلى المشاركة في ندوة قادمة عنوانها: الهوية والذات في الشعر العربي.

عاد مرة أخرى إلى المحرك غوغل، كتب العنوان. جمع ما تناثر حوله من مقالات، ثم بدأ يخيط بين مقبوساته.

أغمض عينيه مرة أخرى، وهو يفكر في شراء بدلة جديدة لذلك اللقاء! ثم نام.

أنهى مداخلته، حانت لحظة النقاش، شخص يطلب التدخل، رفع عينه: إنه ماسح الأحذية مرة أخرى، أطلق صرخة مدوية: أخرجوا هذا الجاهل! ما علاقة ماسح الأحذية بالثقافة!!

فزعت زوجته لصراخه، ناولته كوب ماء، فتح عينيه، بدأ ينظر إليها في غبش : أخرجوه! أنا المثقف وليس هو! ربتت على رأسه، وهي تقول له: بسم الله الرحمن الرحيم، إنه مجرد كابوس!!!

فن السرد I مسابقات  

التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك تعليقك هنا

ليست هناك تعليقات
2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث