بلال الخوخي/
المغرب
-
كم مرة نبهتك أن لا تقتربي من
هناك؟ وها أنت تتجاهلين كل ذلك غير آبهة بأدنى كلمة نطقتُها. نجاتك من الموت اليوم،
لا تخول لك تكرار التجربة.
-
لكنك لم تخبريني يوما عن قصة ذلك
المسخ الذي حدثتِني عنه، اكتفيتِ فقط بالإشارة لمغامرات أجدادنا التي نجحت أحيانا،
وباءت بالفشل في أخرى، فقدنا جنودا أشداء بسبب الرحلات الاستكشافية إلى هناك،
وكسبنا أبطالا جلبوا لنا كنوزا، وما أنا إلا جزء من سيرورة التاريخ أبيت الرضوخ للعيش
في منطقة الراحة.
تنهدت الجدة وتأملت تعابير حفيدتها
الطافحة بالأمل، ثم تحدثت بصوت يتشح بنبرة من الحزن:
-
كان علي أن أستعد لهذه اللحظة منذ
وفاة أمك، علمت أنك ستنهجين طريقها، فحاولت ما أمكنني أن أوجهك لغيره، و ها أنت ذي
حبيبتي الصغيرة، تُحيين هذا الجرح بعد طول رقاد، الحلم الذي راود أمك أبى أن يموت بموتها،
وكأنها حقنتك به في لحظاتها الأخيرة.
-
أخبريني الحكاية إذاً يا جدتي.
تنهدت مجددا:
-
منذ ملايين الأجيال، تناقل أجدادنا
أسطورة هذا الكائن العملاق، وطوروا جيلا بعد جيل أساليب مقاومته والتخلص من قبضته،
إلى أن صرنا على مانحن عليه في رؤيتنا الثاقبة وسرعتنا الفائقة، غير أنه كان
_كذلك_ في تطور، استطاع أن يمتلك قدرة رهيبة على تحويل الهواء من حولنا، إلى درجة
نخضع فيها للاختناق، لو كان لي أن أريكِ الصورة المرتسمة أمام عيوني الآن، لامتنعتِ
عن الذهاب، إنها الأنفاس الأخيرة لأمك ما زالت تتردد مع أنفاسي، ولا حيلة لي
لإنقاذها، غادرَت بعد أن وهبت نفسها لخدمة العلم رغبة في اكتشاف مضاد، أو إنتاج
قدرة على استنشاق الهواء الجديد، لقد ألحت أن تصير من الذين لم يتوانوا أن يكونوا
أدوات تجارب عسى تنجو على إثر نتائجها أجيالنا القادمة. لا يخفى عليك بنيّتي أن
هذا المسخ يُعد من أهم مصادرنا الغذائية، ورغم أننا لا نهاجمه بالأساس، إلا أنه
بغريزته الحيوانية يرى فينا عدوا له، فنضطر إلى الدفاع عن أنفسنا…
تدخلت الصغيرة مقاطعة جدتها:
_ إن فشل بعض التجارب لا يعني أن
نتقاعس راضين بما آل إليه الحال، لا بد أن نكون جزءا من التغيير الذي نطمح إليه،
إن كنا حقا ننشد حياة أفضل لأجيالنا القادمة، سوف أنضم للمجموعة الجديدة المكلفة
بإجراء دراسات ميدانية حول المسخ و بيئته، حلم أمي هو حلمنا جميعا، وتضحية بعضنا
بأنفسهم ما هي إلا خطوة لتحقيقه، و لست أرضى لنفسي الجلوس ضمن الفئة الضعيفة التي
تتجنب المخاطرة، فلا تثور على واقعها الأليم، سأذهب يا جدتي، سأذهب.
أتمت الصغيرة كلماتها ثم انطلقت مرفرفة تاركة الجدة شاخصة
ببصرها في الأفق البعيد، هناك حيث كان كريم يطل من النافذة، فإذا ببعض الذباب يحوم
حوله فلم يكن منه إلا أن يستنجد بالبخاخ ليرشه في الهواء، فوقع الذباب صريعا.
فن السرد I مسابقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن