نقيق الاشتياق
جلنار معروف سليمة/
سوريا
نقيق الضّفادع يمزّق صمت الليل، نقيقٌ فوضويٌّ مزعجٌ، كضوضاء
المراجعين أمام كوّة الجباية، متواصلٌ كإلحاح رضيعها الصغير، لجوجٌ كمشاعر
الاشتياق التي لاتهدأ.
تتقلب في سريرها الفارغ، تلعن تلك الأصوات التي تسلب منها سكينة
الليل، تتساءل: "لماذا تصدر الضفادع تلك الأصوات ليلاً؟ لماذا لا تنام؟"
تضع وسادةً فوق رأسها وتحتضن الأخرى وهي تردد: "سأضع حداً
لهذا غداً"
في اليوم التالي، وأثناء عودتها من العمل، دخلت أحد المتاجر
الخاصة ببيع المبيدات الحشرية، قالت للبائع: "أريد سماً للضفادع".
ضحك البائع وقال: " لا يوجد سم خاص بالضفادع، لكن خذي هذه
العبوة، إن السم الذي في داخلها يستطيع أن يقتل جملاً."
مرت أثناء عودتها بجانب البركة وأفرغت السم وهي تقول:
"اليوم سأنام بهناء."
ثم تابعت سيرها نحو جارتها التي تهتم بصغيرها أثناء غيابها،
كادت أن تسقط الصغير أرضاً عندما قالت لها الجارة: "الحمد لله على عودة
زوجك."
لقد أفسدت الجارة المفاجأة التي حضرها الزوج، لكن اللهفة لرؤيته
كفيلة بإصلاح الموقف. فقد شهقت عندما شاهدته، واحتضنته بانفعال، كأنها لم تكن تعلم
بعودته.
همس في أذنها: "إجازتي قصيرة، يوم واحد فقط، لكن الشوق
أتعبني فأتيت."
هزت رأسها، فهي تفهم تماماً معنى أن يتعب الإنسان من الشوق.
في ذلك اليوم بدا كل شيءٍ مختلفا: إضاءة المنزل، زهور الشرفة،
حتى الطفل الرضيع بدا أكثر هدوءاً. والأجمل من ذلك، أنها غفت بسرعة عند المساء،
واستيقظت في اليوم التالي بنشاط وهي تردد: "ما أجمل أن تنام عند المساء دون
أن تسمع نقيق الضفادع".
مر الوقت مسرعاً في ذلك اليوم، فعقارب الساعة التي تحركها
اللحظات السعيدة تقفز قفزاً، لاتدور بانتظامٍ كالعادة.
حان موعد الرحيل، وغادر الزوج مجدداً، جاراً خلفه كرات الشوق
الحديدية، وعادت هي لوحدتها.
استلقت على سريرها عند المساء، أغمضت عينيها وحاولت النوم، لكنها
لم تستطع، فنقيق الضفادع كان يخترق صمت
الليل، نقيق فوضوي كضوضاء المراجعين أمام الكوّة، متواصل كإلحاح الرّضيع، لجوج
كمشاعر الاشتياق.
شعرت باستياءٍ شديد، وعزمت في الصباح أن تذهب إلى البائع. ستصرخ
في وجهه، وتقول له بغضب: "السم الذي أعطيتني إياه لم ينفع، أريد سماً
أقوى".
لكنها شاهدت سرباً من
الحمام الأبيض ميتاً بجانب البركة، فتابعت سيرها نحو مكان عملها بصمت.
فن السرد I مسابقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن