نَصَائِحُ كلير دولانوا فِي الكِتَابَةِ الرِّوَائِيَّة
القواعدُ السّبْعُ الذّهبيّةُ لمخطوط ِروايةٍ ناجحَة تقديم وترجمة: أحمد شرقي |
تَرَك عدد كبير من الكُتّاب،
المعروفين وغير المعروفين، رسائلَ ودلائلَ تُنير طريقَ مَن رام امتلاكَ ناصية
الأدب، سواء كتبوها هم أنفسهم، أو جمعها ونقلها عنهم غيرُهم، وقد كانت موجَّهةً خصّيصا
للكُتّاب الشبان، نذكر منهم الأديب اللبناني ميخائيل نُعيمة في كتابه "في مهَبّ
الريح"، ومصطفى صادق الرافعي في كتابه "رسائل الرافعي"، و
فيرجينيا وولف في "رسالة إلى شاعر شاب"، وغيرُهم كثير.
وفي السياق نفسه، يندرج كِتاب
"رسالة إلى كاتب شاب"Lettre à un jeune écrivain ، لمؤلِّفته الكاتبة والناشِرة الفرنسية كلير دولانواClaire Delannoy ، التي قدّمَت فيه، للكاتبات والكُتّاب الشّبان، نصائح قيّمة،
نابعة من تجربتها في عالـــمَي الإبداع الروائي وصناعة الكتب، وتقاسمت مع الراغبين
في ولوج عالم الكتابة الروائية، والشَّغوفين بها، أسرارَ العمل الأدبي والنشر
الورقي؛ من خلال عشَرة فصولٍ، يفتَحُ شهيّةَ القُرّاءِ على التهامِها تقديمٌ أنيقٌ،
مدارُه على جدوى الكتابة وقَلَقِها، بقلم الكاتبة والأديبة والعالِمة المغربية الراحلة
فاطمة المرنيسي.
لقد عنونَت دولانوا الفصلَ
السادس من كتابها بـ"القواعد السبع الذهبية للمخطوط"، واستهلّته
بالتأكيد على عامل الشغف في هذا الصدد؛ إذ لا كتابة روائية بدون شغف من وجهة
نظرها. وقد استمدّت دولانوا قواعدها من تشيكوف، سارتر، فلوبير، ليندون، وولف،كينغ...
دون إغفال خصائص القارئ المعاصر، مُجْمِلةً تلك القواعد في: الموضوع، البداية،
الحبكة، التبئير أو زاوية النظر، الحوار، الشخصيات، المعادلة: "موضوع-كاتب".
1 –الموضوع: من الممكن أن تُلْهمنا كلمةٌ، موقفٌ، إحساسٌ، خبر... موضوعَ
روايةٍ متميزة، لكنّ الشروع في الكتابة يتطلب تفكيرا عميقا. يقول غوستاف فلوبير في
رسالةٍ إلى لويز كوليت: "فَكِّر وفَكّر، قبل الكتابة.. تلك مُسَلَّمةٌ، تركها
العظيم غوته، وهي ملخص بسيط ورائع لكل الأعمال الفنية الممكنة". أما تشيكوف
وكينغ، فينصحان بالكتابة عمّا نعرفه.
إن الاشتغال على نصّ ما هو مزاوجة
بين أمرين متناقضين؛ التركيز على موضوع النص من جهة، والانفتاح على العوامل
الخارجية، التي يمكنها أن تغذّي ذلك النص، والانتباهُ إليها، من جهة ثانية.
واستشهدَت دولانوا على ذلك بالروائية الأمريكية جويس كارول أوتس، التي قالت إنها
تستلهم ثيماتها وصورها وكلماتها، التي توظفها في رواياتها، حينما تمارس هوايتها
الجري.
فموضوع الرواية يتطلب تفكيرا
وانتباها، لكنه - بالمقابل - يجب أن يمنح الكاتب دفعة وسعادة؛ وأن يرافقه ويحتويه
ويحميَه؛ وَفق ما تراه دولانّوا.
2-البداية: عبّر فيليب دجيان خلال ندوةٍ موضوعُها "إعادة
التفكير في مراحل الإبداع"، عن أهمية الكلمات الأولى في العمل الروائي قائلا:
" أرى أنها تحتوي، إلى حدٍّ ما، الروايةَ بأكملها، وتُقرِّرُ - من خلال حجمها
وشكلها - تَوَجُّهَ الكِتَاب، وجَوَّهُ العامّ".
وتمثل البدايةُ - بالنسبة
إلى القارئ - نقطة جذب أو نفور. ومهْما اختلفت البدايات، قصيرة كانت أو طويلة،
مباشِرة أو مخاتلة، فإنها تتضمن كل شيء، وتعطي انطباعا يحدِّد مصير الإنتاج
الروائي مع القارئ.
3-الحبكة: تعُدُّ دولانوا الحبكة هندسة الرواية؛ هذه الحبكة التي تختلف
من رواية إلى أخرى: رواية بوليسية، رواية تاريخية، رواية اجتماعية... فبالنسبة إلى
كاتب الرواية البوليسية، مثلا، تتمتع الحبكة بسلطة مطلقة. ومع ذلك، يقول بعض الكُتّاب
إنهم لا يَبْنُون الحبكة. وقد صرَّح الروائي الأمريكي ستيفن كينغ، في السياق نفسه،
بأن القصة تصنع نفسها بنفسها؛ من خلال الأسئلة التي يطرحها الكاتب على نفسه دون
انقطاع، ممثِّلا لذلك بأنه حضَرَتْهُ فكرة روايته "ميزيري" Misery ذات حلم،
وهو على متن طائرة متوجهة إلى لندن، فما كان عليه سوى مواصلة الحلم، لكن هذا لا
يمنع، عند الكتابة، من مراجعة هيكل الرواية، وإعادة توجيه الأفكار والأحداث.
4-التبئـير: يعدّ التبئير، أو زاوية النظر، شريانَ الرواية الحيوي، وإيقاعَها. وهذه
الزاوية "لا تنحصر أهميتها في عالم السرد فقط، بل هي معطى أساسٌ في الحياة بصفة
عامة"؛ على حد تعبير الكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي.
وترى دولانوا أن عدم
الاستقرار على وضعٍ واحد للكاتب، وتعدد الأصوات الساردة، كل حسب نظرته ومنطقه
وجنونه... من العوامل التي تجعل الرواية المعاصرة مثيرة للاهتمام. إنّ الرواية تقوم
على صراع الرؤى، القابلة أو الرافضة للتوافق. ويمتلك الكاتب تحت تصرفه جميع
الضمائر "هي، هو، أنا"؛ لاستحضار تلك الرؤى أو زوايا النظر، وهو يعلم أن
روايته لن تكون على إيقاع واحد، وأن زاوية النظر هي التي تحدد الأسلوب لدى الكتابة،
علماً بأنّ الأسلوب "شيء بسيط جدا، ولكنه عميق جدا"، وهي تستشهد، ها
هنا، بما قالته فيرجينيا وولف.
5-الحوار: إنّ الحوار من تقنيات الكتابة الصعبة، التي تواجه
الروائيّ الشابّ من وجهة نظر كلير دولانوا. وليس مطلوبا من الكتاب الشبان أن
يكونوا مثل هيمنغواي، الذي يعد - دون شك - من أكبر كتاب الحوار. كما أنه لا يجب أن
يقول الحوار كل شيء؛ لأنه يكشف -فقط- الأحاسيس وشخصية قائله. وتستشهد دولانوا، في
هذا السياق، بما قاله ستيفن كينغ: "واحدة من بين القواعد الذهبية للتخييل ألّا
نشرح شيئا ما، يمْكننا تسمِيته".
6-الشخصيات: تستهل دولانوا الحديث، في هذه القاعدة الذهبية، بمقولة سارتر:
"كل شخصية هي فخّ". وبخلاف الحبكة، يجب إعطاء الشخصيات حريتها في
التصرف، على نحوٍ يتّسق مع توجه الرواية العام، لكن دون تحديد مسبّق. وقد حَكَت
دولانوا موقفا، حدث لها مع روائي، لاحظتْ أن مخطوطه تضمّن مشهدا مثيرا، لن يشكل أي
إضافة نوعية لبطله؛ ففوجئت بردِّه: "لكني عِشْته". وهو ما يجبر القارئ
على إعطاء حكم قيمة. ولذلك، يجب أن تُتْرَك مسافة بين الكاتب والشخصيات، كما يجب
عدم كشف كل شيء.
7-المعادلة "موضوع-كاتب":
إن علاقة الكاتب
بالموضوع هي علاقة حبّ، تشبه انعكاس المرآة. وكما تمت الإشارة إلى ذلك في القاعدة
الأولى ، يجب أن نكتب عما نعرفه، لكن هذا لا يعني أن كل الروايات سِير ذاتية؛ لأن
كل كاتب يخلق خرافته، أو يترك للقارئ مَهمة خلقها؛ بتعبير دولانوا.
لقد قدمت كلير دولانوا، في
الفصل الموسوم بـ"القواعد السبع الذهبية للمخطوط"، من كتابها
"رسالة إلى كاتب شاب"، وفي فصول أخرى من هذا المؤلَّف الجدير بالقراءة،
نصائح وخطوات عَمَلية، تمكّن الكتاب المبتدئين من ولوج عالم الإبداع، مُركِّزة على
دواعي الكتابة وطرائقها، ومحيطة بأهم قواعد الرواية الناجحة. وتبقى القراءة - من
وجهة نظري - هي القاعدة الذهبية المثلى لاكتشاف إنتاجات الآخرين، والاستئناس بها
لبلوغ الرواية الناجحة، دون إغفال الاطّلاع على هذه النوعية من الكتب، التي تنير
طريق الإبداع للكاتبات والكُتّاب الجدد.
* كلير دولانوا، رسالة إلى كاتب شاب، تقديم :
فاطمة المرنيسي، منشورات الفنك، الدار البيضاء، 2008.
فن السرد
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن