مقامات الفوضى الفكرية | حفصة اسرايدي

الثانية بعد منتصف الليل، ومازلت أعد خطوات قدميّ الهزيلتين على رقعة غرفتي المظلمة، هاربة من جحيم دان براون.

مضت ثلاث ساعات لا تفارق عيناي أسطر الرواية التي عانقت عقلي أحداثها، فطرقت الحمى باب مخيلتي من جديد، وضعتها جانبا واستويت في جلستي استعدادا لمسرحية أطياف ذاكرتي التي اختارت أن تضع حدا لاشتياقها لي هذه الليلة..هو انتحار بطيء، أن تجعل لنفسك وجودا تارة بين كائنات حبرية، وتارة أخرى بين كائنات أضحت الآن تاريخية، كأنك تشنق نفسك بخيط من الضوء لتتدلى قدماك في اللامعنى.

زارني الضيوف أخيرا، وانتشروا كعادتهم ليجلس كل واحد منهم جلسته المعتادة، أرى في الركن هناك السيد هتلر وزميله ستالين، بينهما منضدة عليها لعبة شطرنج والظاهر أن القائد النازي هو المنتصر، فقهقهته أزعجت غاندي الذي يجلس قرب بابلو اسكوبار، وهما يحتسيان النبيذ معا. بمحاداة النافذة يمسك ديكارت رقبة نيتشه بعد أن تحرش بمارلين مونرو، ليلجأ فريدريك للسيد زرادشت حتى يدافع عنه.

تحت سقف الغرفة مباشرة يقعد عباس بن فرناس في وضعية اليوغا وجاليليو يسخر منه، بالقرب منهما يجهز نابليون بونابرت خطة حرب جديدة مصغيا بإمعان لما يمليه عليه فيكتور هيجو، كارل ماركس يطلب من بيتهوفن تلحين بعض شعاراته ليتمرد محمود درويش بدعوى أن قصائده أولى باللحن، تشي جيفارا يجلس القرفصاء حتى يحول بوب مارلي شعره إلى ظفائر، شارلي شابلين يكاد ينفجر ضاحكا من أذن فان غوغ المتدلية من رقبة دوستويفسكي واينشتاين يختبئ خلفي ويرمي نيوتن بالتفاح ، قلت له :" عيب" ..لكنه بدى مستمتعا بدهشة صاحبه وهو يبحث عن مصدر التفاح، أسامة بن لادن يحتضن سقراط الذي يشكو باكيا من بطش زوجته، الحجاج بن يوسف الثقفي يصعد مكتبي ويلقي خطابا يهدد فيه الحاضرين، فيرميه ميكيافيللي بحذائه، وأبا جهل يحيط به كل من بيكاسو وصدام حسين وأم كلثوم ليروي لهم قصص قوم قريش.

أغمضت عيني محاولة تناسي ما يحدث في غرفتي، فأحسست بيد تهز كتفي..

إنه نلسون منديلا يطلب مني تحضير فنجاني قهوة ... واحد لي والآخر له!!

فن السرد | مشاتل