فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي مغربي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

اختفاء | حاتم الإدريسي

اختفاء
المبدع حاتم الإدريسي 


الكل ينتظر يوم الامتحان بفارغ الصبر، أنا أنتظر، عائلتي بأكملها تنتظر، أمي أخبرت جميع الجارات بموعده و توقيته بالتحديد. كنت عاكفا شهرا بأكمله على التحضير، لا سيما أن التباري سيكون على منصب واحد، وأنا بحاجة كبيرة لهذه الوظيفة، صار لدي اطلاع واسع على معارف المجال واكتسبت تجربة من خلال التدرب على جل الامتحانات السابقة، أصبحَت لدي خبرة في معرفة طبيعة الأسئلة وجل الاحتمالات الممكنة، وأُحِسُّني على أتمّ الاستعداد.

صباح يوم الامتحان لم تكن لي رغبة بتناول الفطور، اكتفيت بجرعات ماء تجرعتها على عجل، أمي تؤكد على تناول حفنة الزبيب التي دستها في جيبي ، أبي يذكرني بتفقد بطاقة التعريف الوطنية والأقلام والمناديل الورقية، ثم ودعاني بباب المنزل: الله يسهل عليك.

في طريقي إلى مركز الامتحان اقتنيت أقلاما جافة إضافية، تحسبا لأي طارئ غير مرحب به،  ثم أكملت طريقي إلى أن وصلت إلى المركز، وجدته يعجّ بالمترشحين، يحملون ما أحمله من أمل ورغبة كبيرة في النجاح، بعد جهد ليس باليسير اهتديتُ إلى القاعة التي سأُمتحن فيها، عند مدخلها تم التأكد من اسمي ورقم بطاقتي الوطنية، ثم جلست إلى المقعد المخصص لي. بعد وقت قصير وُضعت أمامي أوراق الاختبار، وكما كان متوقعا، الامتحان لم يخرج عن سياق سابقيه ، بالنسبة لي الامتحان في غاية اليسر والسهولة ، أجبت عن جميع الأسئلة وأنا في قمة السعادة ، حصولي على المنصب مسألة وقت فقط . هكذا قلت. 

ذكّرنا الأستاذ المكلف بالحراسة بضرورة كتابة الاسم الكامل ورقم المقعد على أوراق الإجابة، حينئذ لم يكن بمقدوري الاستجابة لطلبه، لأنه حدث ما لم يكن أبدا في الحسبان؛ لقد فقدت القدرة على تذكّر اسمي، وازداد الأمر سوءا عندما أخرجت بطاقة تعريفي الوطنية من الجيب ولم أجد اسمي عليها، وحتى صورتي اختفت من مكانها! 

قبيل الامتحان تم التأكد من جميع معلوماتي. فكيف اختفت ؟؟

رفعت مشكلتي إلى الأستاذ المكلّف بالحراسة، أجابني بدهشة واستغراب، ثم توجه إلى لائحة المترشحين المثبتة على باب القاعة، فلم يجد اسمي ولا حتى رقم مقعدي، نفس الشيء على ورقة توقيعات الحضور. لقد اختفى اسمي تماما من جميع الوثائق وحتى من ذاكرتي. اعتذر لي الأستاذ المكلف بالحراسة وسحب مني أوراق الإجابة، ثم أخبرني بضرورة مغادرة القاعة، لأن وجودي بها سيعرضه للمساءلة.

"من فضلك غادر القاعة وانتظر رئيس المركز لينظر في أمرك "

بعد نهاية الاختبار حضر الرئيس ومعه أعضاء لجنة المراقبة، طرحت عليهم مشكلتي فاستغرب بعضهم وأضمر السخرية البعض الآخر، أخبرني السيد الرئيس أن كل ورقة لا تحمل معلومات صاحبها بشكل دقيق يتم إلغاؤها:

 " للأسف لا أستطيع مساعدتك " 

غادرت مركز الامتحان والإحباط يقطر من كامل جسدي، طوال الطريق أتذكر بحسرة ما وقع وأتذكر حجم الجهد الذي ضاع مني، وأحلامي التي استحالت إلى سراب. 

ظللت أجرّ قدماي وأجترّ حسرتي حتى وصلت إلى مدخل الزقاق المؤدي إلى بيتنا، حينها التقيت جارنا السيد عبد الرؤوف، بادرني قائلا : سيكون المنصب من نصيبك يا عبد الرحيم، أنا متأكد أنه من نصيبك ، الكل يشهد لك بالاستقامة وحسن الخلق، حمقى هم إن لم يختاروك. ستسعد زوجتي فاطنة كثيرا بنجاحك ، فهي تدعو لك بالخير دائما. ننتظر حفلة النجاح إن شاء الله عبد الرحيم!!

 استيقظت ذاكرتي أخيرا .. نعم أنا عبد الرحيم، أنا هو .. امتدت يدي بخفة إلى جيب سترتي الداخلي فوجدت اسمي عاد إلى بطاقتي " عبد الرحيم الإدريسي" وصورتي عادت أيضا إلى مكانها ، عدت مسرعا إلى مركز الامتحان علّني أتدارك ما يمكن تداركه ، فور وصولي كانت المفاجأة، فقد صعقت جراء ما رأيت .. لقد اختفى المركز من مكانه .. اختفى تماما وحلت مكانه حديقة عمومية تتوسطها نافورة راقصة.

فعدت أتصبب إحباطا من جديد.


مجلة فن السرد| مشاتل 

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد