مسرحية
"Refuge / مأوى" صوت المرأة المعنفة
"إلى الدكتور أحمد توبة الحب الإنساني المتدفق"
بدعم من وزارة
الشباب والثقافة والاتصال، تباشر مسرحية Refuge دورتها
الفنية ابتداءً من فضاء مسرح فاطمة الفهرية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية
بالمحمدية، المسرحية التي ألفها الفنان عمر الجدلي عن أحداث حقيقية، وعمل على
إخراجها تحت إشراف عام من لدن الدكتور منير السرحاني، وتنسيق وتأطير الدكتور أحمد
توبة، في إطار أنشطة ماستر دراسات مسرحية العامل بالكلية. شخصها ممثلون صاعدون،
خمس إناث وذكران. قدموا على الركح شخصيات متعددة، ومتباينة بين وظائف مجتمعية
مختلفة (الأم، الأب، الابن، البنت، الزوج، الزوجة، الخطيب، الخطيبة، والراوي)، ونسجوا من خلالها صورا
متقاطعة لواقع أنثوي مرير. عنوانه الأبرز ليس "مأوى"، بل حكايات السبيل
إلى المأوى.
1. مسرحية
Refuge / مأوى: تقنية المَسْرَحَة technique de théâtralisation
تحكي مسرحية مأوى / Refuge قصة خمس
نسوة، تلقين العنف الزوجي في كنف الزوجية، وانتقلن إلى المأوى من أجل الاحتماء،
ومعهن أطفالهن الصغار.
قصة نجاة أو "تكافل" الأسرة من أجل قهر
المرأة
كانت على حافة الجنون بسبب التعنيف المستمر الذي تتلقاه من زوجها، بسبب ومن دونه، فهربت إلى بيت والديها، لكنهما لم يقبلا بوضع عودة البنت / الزوجة الحامل إليهما، خاصة من لدن الأب الذي ألح عليها بالعودة وباستصغار فعل الضرب الذي تشكو منه، كما أنه أكد لها أن زوجها رجل، ويعرف ما يقوم به، وأن تزويجها منه كان بهدف "سترها"، واستنكرت نجاة هذا الفعل مؤكدة أنها ليست فضيحة ولا عارا حتى تستر، ولما التجأت إلى القاضي لإنصافها، قال لها: "ولماذا عدت إليه؟" وهو السؤال الذي لا يجب طرحه في حالة نجاة ومن هي مثلها في المعاناة.
قصة
عزيزة أو تشهير الخيانة والطمع في المال
يطمع زوجها في كل مالها، ويخونها مع عشيقته التي تسمى لبنى، سكير، ووضيع،
يتهم زوجته بالخيانة الزوجية التي يرتكبها هو، ويعنف زوجته أمام عيني ولديهما،
اللذين قالت لهما الأم عندما استنكرا آثار الشرب على وجهها، إنها صباغة تضعها
عندما تريد اللعب مع والدهما، لذلك ينخرطان في اللعب أيضا، ويسهمان في ضربها مع
أبيهما، ولم يعرفا هذه الحقيقة حتى تركت لهما رسالة شرحت فيها حقيقة ما كانت تتعرض
له.
قصة
أم غيثة أو استمرار العقاب من الموتى
امرأة أقعدها الضرب، وجعلها معاقة، تتكلف ابنتها غيثة بها، وبتقديم الدواء
لها والعناية بها، وبالرغم من أن زوجها فارق الحياة منذ سنوات عشر إلا أنها ما
تزال تخاف منه، وتبكي بهوس كلما تذكرت أفعاله المشينة، تنهار أمام ابنتها لأنها لم
تستطع أن تقوم بدور الأمومة كما يجب، الدور الذي أصبحت تقوم به ابنتها من أجلها.
قصة
مانيلا أو غدر الحب العابر للحدود
ضحت مانيلا من أجل عماد لمتابعة الدراسة في كلية الطب، فقد رفض أبوها
تزويجها منه بسبب عدم عمله، وما كان من الحبيبين إلا أن يسافرا معا إلى بلجيكا،
هناك عملت مانيلا في كل المهن اليدوية من أجل تغطية مصاريف عماد. وبمرور السنين،
حصَّل شهادة الدكتوراه، لكنه كان على موعد مع فتاة جديدة، تناسب وضعه الاجتماعي
الجديد، فطلق مانيلا وتزوج من سارة، ضاربا عرض الحائط بقيم الحب التي جمعتهما منذ
سنوات.
قصة
لطيفة أو تأثير السحر الأسود
ليست لطيفة مصابة بالسرطان كما ادعى الأطباء، ولكنها مريضة ب
"التوكال"، أطعمت قسرا من فم قط أسود، وحُمِلَ بعيدا، ثم رمي به في مكان
ما، فغدا كل ما يصدر عنه ينطبق على لطيفة، من عض، وهرش، وضرب للرأس بالحائط، ولما
استبد به الجوع لفظ أنفاسه الأخيرة، ومعه فارقت لطيفة الحياة بعد أن عذبت نفسها،
وبقيت مقيدة في السلاسل. والسبب زوجها الذي يرغب في الاستيلاء على مالها
ومجوهراتها والزواج من عشيقته بعد موتها. وهذا ما تم له بالفعل.
تمت مسرحة القصص بتقنية الفلاش باك السينمائية؛ بحيث قدمت لنا القصص جميعا
طفلات الأمهات المعنفات، وهن في المأوى، وبالمقابل تم تشخيص المشاهد بالاسترجاع،
انطلاقا من لعب ركحي أسهمت فيه كافة الممثلات، بالإضافة إلى الدور الذكوري الذي
قدمه الفنان محمد أمين الناصري بقدرة فنية هائلة، جعلته يوفق إلى تقديم مختلف
الشخصيات الذكورية في مختلف المواقف والأوضاع بنجاح. تتوارى الشخصيات غير المعنية،
ويسلط الضوء على الشخصيات البانية للحكاية، بشكل يكسر الإيهام بالواقعية، ويمنحنا
الاطمئنان إلى أن ما نشاهده مجرد تمثيل. ولكن، بالرغم من ذلك، كان هناك اندماج مع
القصص والتماهي مع الشخوص إلى درجة "التطهير" لكونها جميعا منبثقة عن
أحداث واقعية عيشت في البيوت المغربية. وهذا ما أشَّر عليه التوجيه الذي يحمله
ملصق العرض المسرحي.
ولعل ما منح مَسْرَحَةَ الحكايات قوتها هذا الديكور البسيط الذي انتصب في
خلفية الخشبة، وهو عبارة عن صالون له خمسة أبواب، كل باب تقبع خلفه امرأة معنفة،
لا تشخص تجربتها حتى تخرج من الباب، وتعود إليه بمجرد الانتهاء منها. فبقيت ثابتةً
تلك الأبواب المصنوعة من الخشب، ورقائق القماش الموزع على واجهتين، واحدة خيطية
تيسر الدخول والخروج، وأخرى ثوبية مانعة للحركة، وكان التحول من واجهة إلى أخرى
أداء جماعيا غاية في الانسجام، كما الدخول والخروج عبرها.
2. موسيقى
"كناوة" غلافا لمعاناة المرأة في مسرحية Refuge / مأوى
توفق المخرج عمر الجدلي في اختيار الغلاف الفني الذي قدم في إطاره حكايات
نسوته الخمس ومعاناتهن؛ بحيث حضرت موسيقى "كناوة" الضاربة بجذورها في
ثقافة الإنسان الإفريقي والمغربي المستعبد، منذ قرون خلت، وهي الموسيقى الروحية
التي تستلهم الأرواح، وتستبد بالنفس، من أجل الاندماج والتنفيس عنها.
هذه الموسيقى وافقت وضعية النساء المعنفات الباحثات عن الترويح عن النفس
والحرية المسلوبة، وحضرت في بداية العرض المسرحي استهلالا، كما في الفصل بين حكاية
وأخرى، من خلال آلة الصنجات النحاسية أو "القراقب" التي استعملتها
الممثلات في الضرب عليها، والنقر بها، انسجاما مع المواويل الكناوية التي كانت
تنبعث من الكواليس، مصحوبة بإيقاعات "الكنبري" أو "الهجهوج".
لقد حضرت الموسيقى الكناوية وآلتها، كما حضر غناها وموالها الذي يقول:
"العفووو أمولانا...الله يعفو يا بوهالا"، لتعمق الإحساس
بالعبودية والقهر اللذين تعيشهما النسوة قبل الهرب إلى Refuge / مأوى والعيش فيه بديلا عن بيت
الزوجية الذي تعرضن فيه لشتى صنوف العنف والإذلال والحط من الكرامة والاستغلال
وغيرها من أوجه المعاملة السيئة التي درج عليها أفراد من مجتمعنا المغربي،
والمجتمع العالمي إن صح منا التعبير.
خاتمة
تقييمية
نجحت مسرحية Refuge/ مأوى
لاعتبارات فنية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- موهبة الممثلات اللواتي استطعن التحول من تشخيص أدوار الأمهات المعنفات
والطفلات الحاكيات إلى تشخيص أدوار موازية، من خلال الانتقال السلس بينها، من دون
إحساس منا بهذا الانتقال. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الفنان محمد أمين الناصري
الذي شخص كافة الأدوار الذكورية خلال العرض، والتي بلغت ستة أدوار متباينة؛
- حسن اختيار الملابس والتركيز على طبيعتها التي عبرت عن انتماء النسوة إلى
البيت المغربي، ووقوع العنف بعمقه، وهو بيت النعاس الذي لا يكون فيه الإنسان إلا
مجردا من ملابسه أو يرتدي الخفيف منها؛
- التوفق إلى اختيار اللون الموسيقي المنسجم مع العبودية والدعوة إلى التحرر،
وهو الإيقاع الكناوي، وما يحمله من عراقة، وما له من امتداد في ثقافتنا المغربية
اليوم؛
- اللعب الركحي القائم على كسر الإيهام بالواقعية من خلال تغيير الملابس أمام
الجمهور وعلى الخشبة؛
- العمل الجماعي وروح الفريق التي ظهرت من خلال الانسجام التام بين مكونات
الفريق، والتنسيق الوثيق بين أطراف العمل المسرحي البارزين على الركح أو المتخفين
في الكواليس المسرحية.
وختاما، فإن هذه المسرحية تقول "لا" للعنف، تقول "لا"
بفنية وبروية وبقوة وبانطلاقة وباستشراف أفق لتغيير الواقع المرير.
الكاتب والناقد ذ.كريم بلاد |
مجلة فن السرد/ مسرح
إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا