البعدان التاريخي والثقافي في رواية "ابن السماء" للكاتب مصطفى لغتيري | نهاد شباب

نهاد شباب مجلة فن السرد

 


يعتبر الفن الروائي شكلا من الأشكال الفنية السردية، التي ظهرت نتيجة عدة تحولات سياسية واجتماعية و ثقافية في المجتمعات. و قد انتشر هذا الفن الحكائي بشكل واسع لأنه من أنسب الفنون المعبرة عن قضايا المجتمع و رهاناته وأقدرها على إلتقاط تفاصيل الحياة اليومية و تشكيل أحداث واقعية بأسلوب قريب من روح العصر.

في هذه المرة أيضا، لم يخذلني ذ.مصطفى لغتيري، فهو من الكتاب الذين يحترمون شروط الكتابة الروائية، وأهمها جمال الأسلوب وسلاسته، وتسلسل الأحداث بشكل مبسط لا ينفر القراء بالرغم من إختلاف أعمارهم .

لذا إخترت أن أجعل ضيف شرف هذا المقال روايته "ابن السماء"، وذلك لأنها تحمل بين كلماتها البلاغية الكثير من الدلالات، فهي كتبت بأسلوب بسيط سهل الفهم، لكن عمقها التاريخي بسط بشكل غير مباشر واقع المغرب في مرحلة معينة من تاريخه، بأسلوب يطغى عليه الخيال السردي والسخرية المختزلة للأحداث التاريخية الطويلة والشائكة والمتداخلة، حيث يتجاور داخل النص الروائي الاجتماعي بالثقافي بالأسطوري بالفلسفي. 

 اعتمد الراوي رؤية من الخلف حينا، والرؤية المصاحبة حينا آخر، فاعتماده على الرؤية من خلف مبرره الأحداث أكثر من الشخصيات الفاعلة في هذه الرحلة الدرامية التاريخية، وهي الرؤية التي وظف فيها ضمير الغائب، و قد وصف أبطال و أحداث الرواية وصفا دقيقا، أما الرؤية المصاحبة فكانت في بداية الرواية حين وظف الكاتب ضمير المتكلم كسارد للأحداث، وهو ما أتاح لنا المشاركة الوجدانية في بناء أحداث الرواية وسردها.

 وقد ركزت الرواية على فترة مهمة من تاريخ المغرب، تميزت بهيمنة المستعمر الفرنسي على التراب الوطني، وسن سياسات قمع وتنكيل بالوطنيين الذي رفضوا الدخيل الأجنبي، وقد كانت المجاعة و الأوبئة والجهل الديني وموت الإنسان والأنعام أهم ما ميز هذه الفترة، لأن الفرنسيين سيطروا على البلاد والعباد، بعد مقاومة كبيرة في جل المناطق كشمال المغرب ووسطه وجنوبه، فبرز مقاومون خلدهم التاريخ كمحمد بن عبد الكريم الخطابي وموحا وحمو الزياني والهبة ماء العينين، ولم يتمكنوا من بسط نفوذهم على كل أجزاء المغرب المترامية الأطراف إلا بعد فترة طويلة، ومجهود حربي كبير، وتعاون حثيت من بعض الخونة دفاعا عن مصالحهم الشخصية الضيقة وهو الأمر الذي أشارت له الرواية كذلك.. 

سيدي الساكت بطل الحكاية هو رجل متمرد، نحس، لا يطاوع الكاتب ولا يساعده في بناء حبكة مثالية لروايته، هو شخصية أسطورية افترضه لغتيري كرجل أحياه الله مرة ثانية، لأنه قام بالكثير من المشاكل لسكان السماء الدنيا، بعد عيشه في الحياة الدنيا للمرة الثانية، أصيب بصدمة نفسية نتج عنها التزامه الدائم للصمت، لتتطور الأحداث في المتن الروائي، فنجده أصبح شخصية محترمة بين وسطه، بل وهو صاحب ضريح سيدي الساكت الذي يتبرك منه الناس و يقدمون فيه الهدايا ويذبحون فيه الأضحية.

كما ذكرت في السابق سيدي الساكت هذا هو شخصية مفترضة من قبل الكاتب الذي كان قصده الأساسي التعرية عن الواقع الاجتماعي و السياسي للبلاد . في هذه الفترة كان المغرب خلال تحت الاستعمار،  وكان يعاني من عدة مشاكل إضافة لأزماته السياسية و الاقتصادية، كالأزمة الفكرية المزرية، فقد كان الإنسان المغربي يعتبر الجفاف والاستعمار والتفكك.. عقابا إلهيا ناتجا عن ضعف إيمانه وخروجه عن الصراط المستقيم.

 و تجذر الإشارة أيضا إلى شخصية المهدي المنتظر الذي أصبح متجذرا في الأفكار التي طبعت ذهن المغاربة،  وقد صُور كمنقذ للأمة، مما جعل البعض ينتحلون صفته، وفي هذه الفترة أصبحت الزوايا تلعب دورا محوريا حيث تعاظم شأنها وأصبح الناس يتوجهون إليها، و يجودون عليها بالمؤونة والهدايا، وقد أصبحت الشرفوية شرط أساسي للمدينة بالزاوية، لكن على العموم، يمكن القول إن التصوف كان لهم دور كبير في هذه الفترة لأنهم أصبحوا ينافسون السلطة المركزية. 

 ومع أن الأضرحة لم تعد تشيد اليوم كما كان في السابق ،  ظلت ظاهرة زيارة الأضرحة والوثوق بالعرافين واستخدام طرق السحر الخبيثة لقضاء المبتغى مترسخة في ثقافة بعض الفئات من المجتمع إلى حد الآن .


مجلة فن السرد | قراءات 

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث