فتحت عينيّ الرّماديتين على صمت احتل غرفتي ...
شعرت بثقل جفوني، استيقظت من نوم عميق، أردت أن أغمضهما مرة أخرى، لبضع دقائق أخرى. كان اليوم السّابق مرهقًا. درّبتُ الفتاة الجديدة في البنك، تابعت مهامي اليومية بإرهاق شديد. لم يرن المنبه الذي ضبطته، من المهم ألا أغمض عيني أكثر. تقّلبت وسحبت الأغطية فوق رأسي، هززت أصابع قدمي، وسادتي مكان مريح لأدفن وجهي.
فتحتُ عينيّ مرة أخرى بصعوبة، شعرتُ أنّي غفوت لساعات. أحسست براحة تامة هذه المرة. مدّدتُ ذراعيّ وساقيّ إلى الخارج، انتابني تشنج في عضلة ساقي اليسرى، ابتلعت ألمي. لماذا يحدث هذا دائمًا عندما أتمدّد؟ ليس لدي أي فكرة. تناولت هاتفي بجانب سريري لأعرف الوقت. ضبطت المنبه في الليلة الماضية قبل أن أغفو، حتى لا أستغرق في النّوم. ومضت الشاشة بزر الغفوة. فاجأني التّوقيت، السّاعة العاشرة صباحًا!
بدأ دوامي في السّاعة الثّامنة والنّصف صباحًا. قفزت من السّرير، فكرت في الخطوة الأولى التي يجب أن أقوم بها. شعرتُ أنني تجمَّدت في الوقت الذي وقفتُ فيه، فكَّرت في وضعي. كنت في اللّحظة السّريالية عندما استيقظت، فجأة فكّرت، هل أنا مستيقظة أم أنني أحلم؟ وقفت غير مصدقة، استغرق الأمر دقيقة لأقرّر ما عليّ فعله.
اتصلتُ بمراقب الدوام، كي أخبره أن المنبه لم يرن، لكنّه لم يرد. تمنّيت أن مدير البنك، ليس موجودًا اليوم، أو أنّه في مزاج مبتهج، أمر نادر أن يكون في حالة مزاجية جيدة. لم يكتسب أي فكرة عن كيفية التّعامل مع الناس، كيف أصبح مديرًا؟
عندما يكون مزاجه سيئًا، نبقى جميعًا هادئين، نميل برؤوسنا للأمام، ونأمل ألا يأتي في طريقنا. طمأنتُ نفسي من خلال تفكيري، أن أكون ضمن موظفيه الجيدين، لكن لا يمكنني معرفة ذلك أبدًا. اتصلت على هاتفي، بدا الأمر كأنني أنتظر نغمة الاتصال إلى الأبد. لم يأتِ الرد من مكبّر الصوت. الجوال يعمل ويتصل، لكن لا يصدر صوت، لاحظت أن شخصًا ما التقطه، وتحدّث إلى مكبر الصّوت. لكن لم يكن أحد يرد عليّ، حتى عندما ألقيت السّلام مراراً وتكراراً! ماذا يحدث لي اليوم؟ أيمكن للأمور أن تزداد سوءًا؟
واصلت الحديث على أمل أن يسمعني أحد:
"أنا شهباء، هاتفي يعمل، المنبه لا يعمل، أجد صعوبة في إجراء مكالمة هاتفية، أعتذر، أعلم أنني تأخرت. سأرتدي ملابسي، وأكون بينكم في أقرب وقت ممكن"
أصغيت لأي لمحة من الرّد، لكن لم يكن هناك ردّ. كان هاتفي يعمل منذ أسابيع، حان الوقت للحصول على هاتف جديد. رميته على السّرير وقفزت استعدادًا للذهاب.
كان ذهني يتسابق، كما يفعل دائمًا. كنت في حالة ذهول لما حدث معي. أنا موظفة مخلصة ومجتهدة في البنك. أفتخر بكل ما أقوم به، أشعر بالإنجاز عندما يغادر عملاؤنا، وهم راضون عن سير معاملاتهم.
أستمتع بإعداد القهوة، رائحتها رائعة، في الشّتاء أضع يديّ حول فنجان دافئ مع بداية الصّباح، فجأة اندفع الأدرينالين في جسدي، لم أكن أدرك أنني لم أسمع صوت الماء يجري أثناء تنظيف أسناني، أو الغلاية وهي تغلي، لم أسمع أي شيء حدث بينما كنت أستعد. كنت في عجالة، ارتديت ملابسي ولم أكمل القهوة، توجهت مسرعة. في اللّحظة التي خرجت فيها من الباب الأمامي، بدا الأمر مختلفًا.
كان الصّمت غريبًا. بدا كلّ شيء طبيعيًا، السّماء زرقاء، الشّمس دافئة. لكنني شعرت أن جزءًا من عالمي قد توقف. السّيارات تمر، لم أسمعها، النّاس يتحدثون، لم أسمعهم. عامل البلدية يجزُّ أعشاب الحديقة، لم أسمع آلته، هززت رأسي كما لو أن هذا سيصلح كل شيء، لكنني لم أسمع أي شيء. لم يكن لدي أي فكرة عما يحدث. لمست أذني فقط لأطمئن نفسي، إنّ أذني لا تزال في مكانها. بالطبع، كانتا هناك. تملكني الخوف مع ارتجاف أطرافي. لا أسمع أيّ شيء!
عليّ أن أرى طبيبًا على الفور، أو أذهب إلى المشفى. لم أكن أرغب في الذهاب إليها، آخر مرة ذهبت فيها، كنت مصابةً بالتهاب الزّائدة الدّودية الحاد، هاجمتني الذّكريات والغرز المؤلمة. لذا لن أذهب إلى المشفى. واصلت طريقي إلى العمل. عندما وصلت شردت أفكاري، كان عليّ أن أشرح وضعي الغريب، آمل أن يظهر مدير البنك بعض التّعاطف، ويسمح لي بزيارة الطّبيب. انهمرت دموعي وحدها دون إذن مني. فاقت قدرة تحمّلي لمأساتي. لم يكن لدي أي فكرة عما حدث لي، شعرت بالقلق الشديد، حين اقتربت من مكتب المدير. فكّرتُ كثيرًا. تسارعت وتيرتي، عليّ أن أبدأ العمل في أسرع وقت ممكن. حتى لو هرولت إلى العمل في بركة من العرق.
خرجت عن المسار لأعبر الطّريق، كلُّ ما سمعته، بوقٌ عالٍ مستمرًا لم يتوقف. لم ألاحظ أن السّيارة قادمة من المنعطف، جاءت من العدم. من الواضح أن شخصًا آخر كان في عجلة من أمره.
فتحتُ عيني على صوت رنين هاتفي، مدّدت يدي لأوقف المنبه لمدة خمس دقائق أخرى. كنت مستلقيةً على سريري الدّافئ، أغمضت عيني مرة أخرى، هززت أصابع قدمي كما فعلت، أدركت أن ما حدث للتو كان مجرد كابوس. غمرني شعور بالارتياح لأنني لم أقع في فخه، بحماس قفزت من السّرير، أستعدُّ ليومي في وقت قصير جدًا، الشّمس مضاءة، النّوافذ مفتوحة، والموسيقى عالية. نظرت في مرآتي، قلت لنفسي التي انعكسَت: "يا شهباء، كنتِ بحاجة لهذا الصّمت!"
مجلة فن السرد | محاكاة
إرسال تعليق