بورتري بقلم : حسن بيريش
هو لاعب شعب قبل أن يكون لاعب منتخب !
(1)
"اللاعب الكبير،
قد لا يعرف أنه لاعب كبير" !
(دييغو مارادونا).
أجل أيها الأرجنتيني الأسطورة. أتريد دليلا على صواب ما قلته يا دييغو ؟! إذن، عليك بعز الدين أوناحي، فهو الحجة الكبرى، الصادقة، على صدق فراستك أيها اللاعب الذي كاد يراوغ فريقا بأكمله، ليصل إلى الشباك مختالا !!
أوناحي، جبار الوسط هذا،
لا يعرف أنه لاعب كبير،
هو - فقط - يدرك أن وطنه كبير !
أرأيت الفرق يا مارادونا ؟!
والله، لو أخرجوك من قبرك، يا دييغو، وذهبوا بك إلى (قطر الأمجاد)، وشاهدت، بأم ذهولك وأبيه، هذا العفريت المغربي النحيل، وهو يصول، ثم يجول، في ملاعب التتويج، لهتفت معي:
أووووووووو... ما هذا ؟!
ما أروعك يا "أوناهي".... !!
(2)
إنه الرئة والدماغ
في المنتخب المغربي".
(جارديان).
أن تختار اللعب في موقع الوسط، هذا توكيد جلي على أنك قد اخترت أن تكون رئة الفريق كله. ومعنى ذلك، أن أنفاس الكل، ستكون مرهونة بتنفس الجزء.
وهذا كان خيار عز الدين أوناحي، حين ٱلت به اللعبة صوب التموقع في خطر الوسط، والانحياز إلى مفهوم: كل الواحد، وواحد الكل، وإدراك تبعات القميص، الحامل لرقم (8)، قبل ارتدائه، وحتى بعد خلعه !
ويا لها من مهمة:
لا يسر فيها،
وكل العسر انطوى فيها !
(3)
"إنه رقم (8)
الأشهر في العالم".
(الصحافة الرياضية العالمية).
لكن، مهلا !
خيار اللعب في الوسط، بالرغم من حجم الضغوط المترتبة عنه، ثم التشويش الذهني الذي تفرضه طبيعة هذا التموقع، بمكنته أن يزودك بميزتين خطيرتين:
الأولى:
أن تكون المفرد المغذي للجمع، وتصبح سيطرتك على الكرة هي أساس التمريرات المتوجة بالأهداف.
الثانية:
أن تكون ذاك القادر على سد الثغرات، وذاك الألمعي في فن التعامل مع كل خلل يحدث في وسط الميدان.
وهذه، بالتحديد واليقين،
كانت مهارات أوناحي.
ويا له من موقع:
لا تهاون فيه،
وكل المخاطر تكمن فيه !
(4)
هو قلب الأسد،
قبل أن يكون قلب الميدان !
لا يكفي أن تكون لاعبا محترفا، وبمواصفات جيدة، ومعايير كونية. وإنما يجب أن تكون مجتهدا، مقاتلا، تلعب بما تمليه على روحك رمزية القميص الذي ترتديه، وتدافع عن عليائه، زهاء ساعة ونصف من شراسة المقابلة !
لا يكثر الكلام،
بل يكثر اللعب.
لا يخرج إلى الإعلام،
بل يدخل إلى العمل !
هذا درس علمنا إياه هذا اللاعب الكبير، عبر تواجده الخلاق في كل مكان فوق عشب قتاليته. وبواسطة حضوره القوي، الفعال، والمنتج، داخل اخضرار التنافس. ومن خلال هيبته المنظورة، المحسوسة، التي يستشعرها خصومه جيدا، كلما اقتربوا من موقعه المتحرك، من كرته ذات الصون !
لياقة بدنية عالية،
ذكاء فني متوقد،
مهارة في إدراك أصعب المٱزق،
شجاعة مثيرة في مواجهة المخاطر،
قبل وقوعها ومداهمتها.
(5)
لم يحدث، إلا نادرا،
أن شاهده أحد وهو واقف في الملعب.
إنه لا يتوقف عن الركض أبدًا.
لذا، أتخيل أنه إذا لم يركض سيتعب !!
إن هذا الصامت، الذي لا يتكلم، إذا هو امتلك الكرة عاهدها على أن لا تضيع منه، فإذا خذلته (هو لا يخذلها !)، لا يرتاح حتى يستردها إلى ممتلكات قدميه !
هو المحارب الذي أبهرنا بٱدائه الرائع في المونديال، والذي حق له أن يوصف بأنه "لاعب فوق الخيال"، اللقب المتفرد، الرافع لسقف التداول في سوق جلب اللاعبين، الذي يسعه إلى أبعد حدود مساحة الذهول، التي منحنا إياها، دون أن نسمع منه، أبدا، كلمة: "أنا" !!
في ملاعب قطر،
أذهلني حجم رزانته،
خطف انتباهي بوفرة هدوئه،
استولى على جماع إعجابي
وبسلاسة توثباته ذات العجب.
فهل كان يلعب / يقول لنا جميعا:
لا تخيفني مباريات كأس العالم !
(6)
"أوناحي لاعب مثير للدهشة،
لم يكشف، بعد، عن كل مهارات خطورته" !
(سكاي سبورتس).
هذا الشاب الخطير، هو نتاج رائع لأكاديمية محمد السادس لكرة القدم، هو الامتداد الكبير، الفريد، لأشبال فريق الرجاء البيضاوي. هو دينامو المنتخب المغربي.
وقدر لأوناحي أن يزداد في مكانين، وفي مرحلتين، الأولى
في مدينة الدار البيضاء سنة 2000، والثانية في قطر سنة 2022.
أتراني أبالغ - وأنا أكتب عن شاب ولد مرتين - إذا قلت: إنه بروحين، وجسد واحد ؟! وهل أجانب الصواب - وأنا أكتب عن لاعب خلق برئتين - إذا قلت: إنه فريق كامل في لاعب واحد، أوحد ؟!
دربه وليد الركراكي
على جعل الكرة في قلبه،
قبل أن تسكن بين رجليه.
علمه كيف يغدو لاعب شعب،
لا لاعبا في فريق،
ثم استخرج من مناجم موهبته
أروع ما فيها من جواهر.
إذن...
سأجيب بنفسي عن سؤالي، ولن أتردد - أبدا - في القول: إن عز الدين أوناحي دينامو المنتخب المغربي، وتلك الرئة التي لا يمكن إلا أن تكون استثنائية.
(7)
"فوجئت باللاعب رقم (8).
يا إلهي من أين أتى هذا الرجل ؟!
لقد كان يلعب بطريقة مدهشة،
لم يتوقف أبدا عن الركض" !!
(إنريكي، بعد مباراة المغرب وإسبانيا).
أجل يا مدرب المنتخب الإسباني، ونعم يا إنريكي، سأردد أنا ما لم تقله أنت. أوناحي، هذا الذي لا يحمل في سجل وجود حياته سوى (22 ربيعا)، جعل مواقع الكرة، العالمية، تحصي كل أنفاس تحركاته، وترصد كل شاذة وفاذة في طريقة لعبه، وتسجل له، لا عليه، مزايا أدهشتهم، ولم تدهشه !
معظم تمريراته صحيحة.
كل مراوغاته فعالة، ومنتجة.
هو الأفضل في عمليات قطع التمريرات.
هو الأروع في صناعة الفرص !
ثم، ماذا بعد ؟؟
هذا معلق رياضي قطري - غاب عني اسمه الٱن - وجد نفسه يغلي بالإعجاب، ويصيح، ملء انبهاره، قائلا بصوت أظن أنه بلغ عنان سماء المجد المغربي:
"يا ربي، يا ربي،
أوناحي، يا نجم العرب،
أنت عفريت، وليس لاعبا !!
بربك، أخبرني، وأجب عن سؤالي:
كيف تخرج بالكرة غانما، سالما،
وأنت في أضيق المساحات،
وأنت في أخطر الممرات...... ؟!".
ياربي.
نعم، يا ربي !
(8)
أوناحي ينظف أرضية الملعب
ببوسكيتس وزملائه" !!
(مواقع التواصل الاجتماعي).
ولم يحدث أن ضبط وهو في حالة تلبس من خوف ما. ولم يحدث، أيضا، أن ضبط وهو مشوش الذهن، مرتبك الخطوة، أو الركض. ولم يحدث أن رٱه أحد وهو منشغل بسوى الكرة، التي تملك كل أفكاره، ويملأ كل استدارة سحرها !
إنه أوناحي، يا قرائي،
وفخامة الإسم تفي وتكفي !
يا ربي،
أجل، يا أوناحي !
مجلة فن السرد
إرسال تعليق