تفتتح (الكلمة)، والتي يرأس تحريرها الناقد الدكتور صبري حافظ، عامها الجديد، العام الثامن عشر، بعدد ممتاز – العدد 189 لشتاء عام 2024 – محوره الأساسي هو ما يدور الآن في غزّة العزة والصمود والكبرياء، وما أحدثته المقاومة والتفاف شعبها حولها رغم الدم والدمار من رجّة دولية كشفت القناع عن حقيقة الغرب الاستعماري ومعاييره المزدوجة. التي تؤكد حق دولة الاستيطان الص.ه.يوني في الدفاع عن نفسها، وتدعمها بالمال والسلاح؛ وتنكر حق الشعب الفلسطيني في التخلص من الاحتلال والتحرر من بطش دولة الفصل العنصري الص.ه.يونية. وفضحت تناقضات كثير من المفكرين، ومواقفهم في التعامل مع الهجمة الص.ه.ي.ونية على بلادنا. فتنشر دراسة الكاتب اللبناني المرموق أسعد أبوخليل لمضاعفات الحرب وكيف تغسل بالد.م عار سنوات الهزيمة والخنوع.
كما تكشف الأسيرة الفلسطينية السابقة تهاني نصار تغيير الحرب لقواعد التغطيات الحداثية للحروب كما بلورها بودريارد، ووضع الحق الفلسطيني على خرائط الوعي الإنساني بنصاعة ووضوح.
كما يتناول الكاتب المغربي فريد الزاهي مواقف بعض المفكرين الفرنسيين من هذه القضية. وكيف وقف الكثيرون منهم من ماسينيون وحتى رودنسون وديلوز وبورديو مع فلسطين، بينما تذبذب آخرون مثل سارتر من القضية الفلسطينية.
ويعري رشيد وحتي هابرماس الذي نشر بياناً يدين المقاومة الفلسطينية ويصطفّ بالكامل إلى جانب إس.رائ.يل، ويقدم لنا الخلفية التاريخية لهذا الموقف، وتجذر تلك الماركسية المعطوبة في مدرسة فرانكفورت منذ تخليها المخزي عن والتر بنيامين. بينما يكشف بالمقابل عن موقف جيل ديلوز الوضيء، وكأنه لايزال بيننا.
وتثير الكاتبة السورية فدوى العبود مسألة تقبلنا الساذج لرؤى الفلسفة الغربية ودورها ككشافة لعنت السياسة وخطلها بعد سقطت عنها بسبب حرب غزة ورقة التوت. وتعري أكثر من مقالة وجه ألمانيا القبيح سواء ما اقترفته بإزاء جائزة عدنية شبلي أو جائزة حنه ارندت. وها هي الكاتبة الروسية الأمريكية تعاني من تلك التناقضات التي لم تتح لمن منحوها جائزة حنة أرندت الاحتفال بتقديمها لها، لتعري بهذا الحوار مواطن الخلل في الفكر الغربي. بينما يكشف الشاعر الفلسطيني حسن العاصي المأزق الأخلاقي الذي وضعت تلك الحرب المثقف العربي فيه، وغيابه عن التأثير في هذا الموقف، وكيف تخدم السلطة الفلسطينية الرخوة مصالح الصهيونية وتحميها. ويتناول أكثر من مقال تقويض اللغة، وزيف الخطاب الغربي الإعلامي إزاء حرب الإبادة، وتاريخ الصهيونية الذي لابد من الوعي بأهدافها البغيضة. كما يكشف الباحث الفلسطيني المرموق جوزيف مسعد عن الوجه الحقيقي لعنصرية هنرى كيسنجر ولما ارتكبه من مذابح في شتى أنحاء المعمورة من أندونيسيا وحتى تشيلي ومن جنوب أفريقيا وحتى عالمنا العربي، ويعري دوره البغيض في إجهاض انتصارات الأيام الأولى من حرب أكتوبر والإطاحة باستقلال مصر، وإنقاذ عدوها اللدود من الهزيمة. ويكشف الكاتب العراقي مروان الدليمي كيف عرّت حرب الإبادة الوحشية التي شنتها دولة الاستيطان الص.هي.وني سردية طالما عززتها قوى الاستعمار القديم منه والحديث، وأنفقت عليها دولة الاستيطان الملايين. وها هي قوى الشعوب تستيقظ على الواقع البشع، وتتعرف على فساد تلك السردية وأضرارها على الضمير الإنساني وقيم الحق والعدل الدولية.
وبالإضافة لهذا المحور ومقالاته المتعددة، لا ينسى العدد أنه في نهاية العام المنصرم مضى قرن كامل على أول دستور لمصر الحديثة، وهو دستور 1923 الذي أرسى دعائم حركة ديموقراطية وبداية تأسيس دولة حديثة، كما يكشف لنا الكاتب المصري، أنور الهواري فيه، وقد توقف عند سنوات تأسيس حراك الدولة المدنية بعده ومنجزاتها قبل ان تنتكس تلك الحركة باستبداد حكم العسكر. ويكشف الباحث الفلسطيني نشأت زبداوي عن دور اللغة، واستخدام المصطلحات المراوغة وإفراغها من دلالاتها للتستر على جرائم دولة الاستيطان الصهيوني في غزّة، ولحجب الوجه البشع لحقيقة ممارساتها التي تتسم بالإبادة والتطهير العرقي، وكل مخازي المجتمع الغربي في تاريخه الاستعماري الطويل والممتد حتى الآن. كما يهتم العدد في أكثر من مقال بالعودة إلى تاريخ الصهيونية ومساراتها والكشف عن مواطن الخلل في هذا التاريخ، كما فعل الباحث المصري أحمد الجندي في تناوله تاريخ رفض اليهود للفكرة الصهيونية، ويستهجن التطبيع معها. طارحا السؤال المهم: إذا كان الرفض موجودًا لدى غالبية اليهود حينما نشأت الصهيونية، فلماذا تحرص النظم العربية على التطبيع مع هذه الفكرة السامة، بدلا من محاربتها؟ حيث لا تمثل خطرًا على العرب وحدهم، بل على الإنسانية جمعاء.
ولا ينسى العدد أن يهتم بمختلف الفنون الأدبية والفكرية فيحتفي برواية إيمان حميدان الجديدة، بنشر مراجعة لها، وحوار ثري مع كاتبتها، وبرواية عدنية شبلي حيث يكشف لنا الروائي المصري سعد القرش في تناوله لها أسباب خوف العدو الصهيوني ومن ورائه الغرب الذي دعم سرديته الاستيطانية الغاصبة من الكلمة وسحر تأثيرها في النفس البشرية، وكيف أن الفن وقدرته على كتابة الرواية الإنسانية ينتصر على كل ما في البشر من همجية وعنف ونزعة للظلم والانتقام. ورواية الكاتب العراقي فلاح رحيم الأخيرة، والتي خص مؤلفها (الكلمة) بفصل من قسمها الثاني الذي لم ينشر بعد، ونقدم تحليلا لها للناقد العراقي كاظم حسن عسكر. كما ننشر رواية الكاتب المصري أحمد الفخراني كاملة في هذا العدد. ونقدم في الوقت نفسه دراسة ضافية عنها. ويعود العدد أيضا إلى رواية عميد الرواية العربية نجيب محفوظ (رحلة ابن فطومة) ويقدم دراسة تحليلية لها.
كما جاء العدد غنيا بالنصوص الأدبية. فبه ديوانان شعريان أولهما من العراق لعبد الزهرة يوسف والثاني من فلسطين اختار مواده محرر (الكلمة) عبدالحق مفراني. فضلا عن احتواء العدد على قصائد وقصص من مختلف أقطار العالم العربي، ومراجعات الكتب، وأبواب الكلمة المعهودة من نقد وشعر وشهادات ورسائل وتقارير.
مجلة فن السرد| متابعات
إرسال تعليق