الفتى I منى الجبريني

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
نبذة عن المقال: لم يحلم يومًا بطائرة أو سيارة فاخرة، مثلما يتباهى بها أحد الممثلين الأثرياء، بل كل أمنياته، أن يبقى بين أحضان أسرته و أصدقائه. يتبادلون الضحكات


منى الجبريني مصر
المبدعة منى الجبريني


عيناه غارقتان في الدماء، جسده يُلوثه التراب بلونٍ رمادي،  بل طيني قاتم. يهرع يمينًا و يسارًا، بحثًا عن بارقة أمل، ربما يعثر عليها هنا أو هناك. بين الأنقاض تربض أحلامه، التي سحقتها قذائف العدو، دون أن يعرف ماذا اقترفت يداه، حتى يلقى ذلك العقاب. 

لم يحلم يومًا بطائرة أو سيارة فاخرة، مثلما يتباهى بها أحد الممثلين الأثرياء، بل كل أمنياته، أن يبقى بين أحضان أسرته و أصدقائه. يتبادلون الضحكات و الحكايات، بلا انقطاع. أن يذهب إلى المدرسة، فيستظل تحت شجرةٍ ضاربة الجذور، يمتد عمرها إلى آلاف السنين. 

يتوق إلى لحظات انغماسه بين طيات كتابٍ مُشوق، أو حينما كان يُشاهد فيلمًا قديمًا، للمرة الألف، وسط أسرته و أقرانه، دون أن يفقد حماسه قط، اليوم تغير الوضع. كل ما يبتغيه أن يرى والدته و أبيه على قيد الحياة، أن يلمح أطراف أصابع شقيقته تُداعب الحياة، كي يهرع إليهم، و يختبئ بين أحضانهم، من عدو لا يعرف الرحمة قط. 

يبحث بين بقايا المبنى، و الجميع من حوله، ذاهلون، يصرخون، ينتحبون، يبحثون عن جثث ذويهم في ارتياع، بينما يتناهى إلى سمعه ترانيم امرأة عجوز " يا حبيب عيني ، وينك يا ولدي ، راحت أيام النخوة، قتلوك يا ولدي " ربت الفتى على كتفها، ثم مضى يبحث عن بقايا أملٍ هزيل، لعله يعثر على أسرته. 

يمضي بين الشظايا، والأشلاء، يتعثر أحيانًا، فينهض شامخا، مُناديًا أسرته، غير مُصدق أنه على أعتاب التاسعة من عمره، وفي لحظةٍ واحده صار عمره تسعون ، بل مائة عام من الأسى و الأحزان. أخبرته والدته كل ليلة حكاية الضيف الذي سرق بيت مُضيفه، ثم شرع يتباكى، يشكو من قسوة الأيام، مُتحينًا كل فرصة للقضاء على صاحب الأرض و البيت، مُستعينا بعصاباتٍ من المُرتزقة، الذين يُغمضون أعينهم عن بشاعة مجازر ذلك الضيف، غير المرغوب فيه . 

يذكر رده عليها ليلة أمس، حين انتهت من حكاية الضيف الملعون" و أين أخوة صاحب البيت؟ " ليتردد صدى جوابها في أعماقه، طوال الليل " ماتوا يا ولدي.. بعضهم قتله الخوف والعجز ، بينما الآخرون تخلوا عنه، و قبضوا الثمن " ، عندئذٍ شد الفتى على يدها، هاتفًا" سينصره الله يا أمي، لأنه صاحب الحق.. مهما طال الزمن .. هذا وعد الله الحق".

انتشلته صيحةً عارمة من ذكرياته، ها هي والدته تصرخ، مُناديةً عليه " يا حسرتي عليك يا يوسف "، شقيقته تبكي بين أحضان أبيه، الجميع ينتحبون بُحرقةٍ، بينما يُحدّقون في أشلاء الفتى . 


مجلة فن السرد | محاكاة 

التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك تعليقك هنا

ليست هناك تعليقات
2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث