رواية "الملف 42": إمساك بتلابيب الحكي واستعراض للتقنيات الروائية | عبد الكريم واكريم

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
نبذة عن المقال: لم يستطع الروائي تذويب تقنياته ومرجعياته الروائية في بوثقة تجعلنا كقراء لانلتفت لها بقدر ما ننجر بسلاسة مع مسارات

عبد الكريم واكريم مجلة فن السرد
الكاتب والناقد عبد الكريم واكريم 

 

من بين الملاحظات التي تسترعي الانتباه أثناء القراءة المسترسلة  لرواية الكاتب المغربي عبد المجيد سباطة (32 سنة) "الملف 42" ، أن الكاتب استطاع الإمساك بتلابيب الحكي في روايته هاته، والموازنة بين مساراتها (مسار الكاتبة الأمريكية كريستينا، مسار الشاب المغربي زهير بلقاسم في المغرب ثم في روسيا، ثم مسار الرواية داخل الرواية)، وقد فعل ذلك من خلال أسلوب تشويقي لايدع للقارئ فراغات ولا خواءات قد تجعله يَمَلُّ أو يترك الرواية دون إكمالها، ففي كل مرة ينتقل فيها من مسار إلى آخر يقف في آخر كل فصل عند نقطة تجعل القارئ متعطشا لمعرفة المزيد والتَّشَوُّقِ للاستزادة واستشراف ما سيقع فيما بعد.


رواية الملف 42


ما أن نسير بعيدا في هذه الرواية، التي وصلت للائحة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)، حتى نقف على مدى المجهود البحثي الذي قام به عبد المجيد سباطة وهو يكتب روايته، كونها مبنية في أساسها على أحداث واقعية وتاريخية حدثت بالفعل  في كل من المغرب وأمريكا وروسيا، والتي بذل سباطة جهدا محترما لينسج خيوط سرده من خلال الاتكاء عليها.

لكن وبخلاف هذه النقط المضيئة فقد بدا بالمقابل وكأن الروائي الشاب كان يحاول باستمرار وطيلة روايته، التي يصل عدد صفحاتها لأكثر بقليل من 400 صفحة من القطع المتوسط، إثبات إلمامه بتقنيات الكتابة الروائية من خلال استعراضه المبالغ فيه لها، وإظهار مدى جدارته ككاتب قادم بقوة للمشهد الروائي المغربي والعربي. 

وقد كانت هذه نقطة ضعف الرواية، حيث لم يستطع الروائي تذويب تقنياته ومرجعياته الروائية في بوثقة تجعلنا كقراء لانلتفت لها بقدر ما ننجر بسلاسة مع مسارات الحكي، الأمر الذي لو كان إلتفت وانتبه إليه سباطة لجاءت روايته أفضل بكثير. فتقنية الرواية داخل الرواية والاستعانة  بمقالات صحفية أو وثائق والحديث باستمرار وبإصرار غريب بين أغلب الشخوص عن التقنيات الروائية... كل هذا وأمور أخرى لم يستطع سباطة أن يذيبها في صلب الرواية وشكلت عبئا على السَّرد السَّلِس الذي وعدنا به الروائي في البداية ثم أخلف وعده.

ملاحظة أخرى بخصوص مسارين مهمين وأساسيين وطويلين في الرواية هما مسار الشاب المغربي الذي سيذهب لروسيا ومسار الكاتبة الأمريكية، إذ سننتظر طيلة صفحات الرواية، خصوصا حينما نتجاوز في قراءتها أكثر من النصف أن يخلق الكاتب بينهما نوعا من الارتباط والتلاحم - وهنا يمكن الحديث عن تشويق جميل خلقه لنا سباطة كقراء في هذا السياق - لكن مانكاد نصل للصفحات الأخيرة حتى نَجِدَ أن الربط بين هذين المسارين كان فيه تَعسُّف ولَيّ لذراع  الحكي ولم يأت بتلك السلاسة التي كنا ننتظرها، ليبدو لنا وكأننا كنا نقرأ روايتين منفصلتين وليس رواية واحدة ذابت فيها كل المسارات في بعضها البعض.

أما الشخوص فلم تعرف تطورا ولا اشتغالا عليها بعمق سيكولوجي طيلة لحظات الرواية، بل عرفت خللا في بنية تطورها خلال مسار الرواية السردي. فشخصية زهير بلقاسم على سبيل المثال تصير مختلفة تماما عما كانت عليه في المغرب حينما تصل إلى روسيا دون أي مُبَرِّر درامي منطقي ولا دافع سردي يجعلها تتغير بهذه السرعة، وكأننا أصبحنا نُتابع شخصية أخرى مختلفة تماما عن تلك التي عرفناها في المغرب. وحتى شخصية الكاتبة الأمريكية التي تبدو وكأنها خارجة للتو من أحد الأفلام الأمريكية الهوليوية "ستاندار" والتي تتكرر فيها نفس الشخوص دون إبداع ولا اشتغال كبير عليها في الكتابة وفي تطورها النفسي كشخصيات. وحتى الحوارات التي نتابعها في الجانب الأمريكي تبدو مصطنعة وغير نابعة من عمق الشخوص ولا طبيعة تكوينها.

عموما، فقد أنبأ عبد المجيد سباطة في روايته هاته عن موهبة في السرد أظنه سيطورها مستقبلا خصوصا إذا ركَّز في نقط القوة لديه المتمثلة في الإمساك بمسارات الحكي وجعله القارئ يظل منجذبا إليه حتى آخر روايته، وهو ما يشكل نقطة قوة عمله هذا والتي يبدو أنه  قادر على تطويرها. أما الأسلوب والتقنية الروائيين فإن لم يكونا ولِيدَي الموضوع المتناول بحيث يذوب الشكل والمضمون في  بوثقة واحدة فإن المبالغة في استعراضهما يشكل عبئا على الرواية ككل، وهذا للأسف ما بدا واضحا في رواية "الملف 42" التي تنوء تحت ثقل أشكال وأساليب روائية أراد لها الكاتب أن تنط  كل مرة لنا كقراء من بين سطورها وتزعجنا وتلهينا عن متابعة أحداث الرواية والاستمتاع بها. 

نقطة أخيرة تسترعي الانتباه في رواية "الملف 42" وهي أن شخوصها يبدون وكأنهم خارجون للتو من روايات أخرى لأدباء مهمين ومعروفين تأثر بأعمالهم الروائي المغربي، وليسوا شخوصا من الواقع ومن نبض المعيش اليومي المغربي. ولهذا يظهر وكأن سباطة مازال لم يراكم تجربة حياتية عميقة تجعله يَمتَحُ منها ليُعطينا رواية تنطلق من الواقع كمادة أساس لتُحلِّق بنا كقُراء في رحاب الخيال كما يحلُو لصاحبها أن يفعل ذلك، وهكذا عوَّضَ هذا النقص باللجوء لقراءاته الأدبية والروائية بالخصوص التي تبدو غزيرة ومتنوعة. وأظن أن روايات كاتبنا الشاب القادمة ستأتي أكثر قوة وتماسكا لو انتبه لنبض الواقع واستعمله وعجنه مستعينا بإلمامه المحترم بتقنيات الكتابة الروائية وبرصيد مهم من الخيال أثبت أنه يتملكه. 


مجلة فن السرد| قراءات ودراسات 


التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك تعليقك هنا

ليست هناك تعليقات
2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث