فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

صديقا كان | بوزين عبد الإله | مشاتل

 

مجلة فن السرد
المبدع عبد الإله بوزين

لَمَّا أغلقتُ الباب ورميتُ أولى خطواتي في زقاقِ الدّربِ، أتسكّع ليلاً هروباً من حرّ الجدران التي صارت كحمّام لا ينقصه إلا "الكسال"..وبينما أنا أوهِّمُ نفسي أنني أتمشى على رملِ شاطئ جزر المالديف، سمعتُ صوتَ طفلٍ لا يتجاوز ثلاث سنوات، يصرخ دون انقطاع. 

اقتربت من البيت عسى أن أجد تأويلاً لما يقع، فما لمست الباب حتى صُعِقت بحَرٍ يشبه موجات الكهرباء. أهذا بيتٌ مهجور تسكنه العفاريت أم ماذا؟ رجعت بخطوات متسارعة نحو الخلف، حين أدركت أخيراً أن المكان غير آمن، لكن أتتني دافعة غريبة كريح عاتية تدفعني باتجاه الباب المغلوق.

 لمحت دماءً تسيل وتتصاعد عن ركبتيّ. اللعنة! سأموت بدماء لم أسفكها ولا علاقة لي بها. لا أعرف إن كان قد ذُبح الولد ودماؤه تصل حدّ هذا الجريان؟ لكن إذا هو حقاً قد ذُبح، لما أسمع هذا الصراخ غير المنقطع؟ وما ذنبي أنا في الدماء والصراخ؟ وأي لعنة قادتني باتجاه الباب المنحوس.

بدأت أزحف هرباً من هذا الفزع الشديد، أهرب بروحي، وجسدي، فحتى إذا وصل أجلي و انقطع رزقي، فأنا أريد أن أُدفن بين أقربائي لا في عفن الدماء. 

أزحف، ثم أزحف، والفزع كاد يسكت قلبي، وحبال كثيرة تُرمى لتمسكَ برقبتي، وكأنني طريدة من طرائد "رعاة البقر".

مازلت أجر رجليّ مقاوماً عفن الدماء المتصاعدة، والأحبال تطاردني من كل حدبٍ و صوب. لقد أمسكتني لترجعني إلى الباب المغلوق، وأنا بالكاد أجر رجليّ زحفاً من هذا العفن. غُلبت، وصرت مهزوماً مدحورا، فتذكرت أن قوة العفاريت لا تُغلب إلا بتلاوة القرآن.

 تضرعت بكل الإبتهالات التي أحفظها، لكن العفاريت كانت تغالطني، ورغم كل هذا قاومت، بل ضاعفت صوت حنجرتي لحرقهم بتراتيل الفرقان، فسمعت الباب يُفتح، والحبال تتقطع، وطفل تكسو خلقته البراءة يخرج من تلك الحُجرة الملعونة.

 حاولت تفسير ملامح وجهه، وبعد جهدٍ كبير عرفته. بحلقتُ فيه كالمصعوق غير مصدقاً عيني، إذ طلع صديقي. لا أعتقد أنه مصدر كل هاته الشرور والمكائد، لا جرم أنه مظلوم نحوي. مسكت يداه لنهربا من هذا الجزع الشديد، فما رمينا خطوات حتى مسخ وتحول إلى ثُعبان أسود يلتوي على عنقي. 

لقد خلع أقنعة الود والصداقة... وظهر بقناعه الحقيقي. بدأ يسدد نظراته الحقودة تجاه عينيّ، ومن شدة حقده اقتلعهما دون رحمة فانطفأ نوري، ثم اعتصر عنقي ليزهقَ روحي.

 اختنقتُ من شدة التوائه وأنا ضرير قد طُمس على بصره، فمن يثق بصديق أفعوان سيفقد روحه وعينيه. مسكت برأسه لأفك انفتاله من رقبتي، وبعد جهدٍ كبير استطعت انتزاعه، ثم أسقطته أرضاً لأقتلع رأسه من جسمه. لكن كيف أراه وقد اقتلع عينيّ؟

بالكاد أسمعه يزحف، حيث أدركَ أنني قاتله. تالله لأنتزعن رأسه ولو كلفني الأمر اتباع أثره طيلة حياتي. استمر في الزحف، وصرت أخطوا على صوت زحفه، فتعثرت بحَجرة كادت تنقهلني.

 أي قدرة أتت بكِ يا حجرة!؟ أعرف أنكِ لم تعترضي طريقي عبثاً، بل جئتي عنوة لتكوني سلاحي. قسما بمن خلقكِ حجراً لن أترك هذا الخبيث يهرب مني، بكِ سأقتله ثم سأعلقه على شجرة تنهشه الطير. أخيراً تمكنت منه وأقلعت رأسه كما أقلع عينيّ. حينئذٍ اصطحبت تلك الحجرة حيث أدركت أن الحجر أنفع و أوفى من البشر.


مجلة فن السرد| مشاتل




عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد