المبدع حاتم الإدريسي |
متجر الوجوه | قصة قصيرة
كان " الطاهر" دائم التذمر من رأسه الحافي، و من وجهه الدميم، يمني النفس ليل نهار بشعر أسود و سحنة جذابة، ينقصان من عمره و يعيدانه إلى مضمار الشباب، يزيدان ٱحتمال قبوله لدى حسناوات الحي و المدينة.
كان يحلم دائما بشعر مهذب كشعر ممثلي الأفلام التركية و المكسيكية المدبلجة، شكّل هذا الأمر للطاهر عقدة ما بعدها عقدة، و دفعه إلى تسخير ماله و وقته للبحث عن حل لهذه المشكلة.
استغل الطاهر أحد الآحاد، ليجعل منه يوما للتسوق و فرصة لاستراق السمع و النظر من بائعي المراهم و وصفات نمو الشعر، فبينما هو متجول في شوارع المدينة لمحت عيناه متجرا أنيقا جذابا يسر الناظرين، كُتب على واجهته "متجر الوجوه".
أخذه الفضول و قرر الدخول، صوته الباطني يقول " للي ما شرا يتنزّه". استُقبِل الطاهر أيّما استقبال من حسناوات المحل ، صاحبات الابتسامات الجذابة و السراويل الضيقة المثيرة و العطر الفواح و الكلام المعسول.
قُدّمت للطاهر مطوية تحوي نظام التبضّع و أرقام الأروقة وعناوينها. أثارت انتباهه عبارة " كل شيء بالمجان" ، استفسر عن هذه العبارة و أعاد الاستفسار مرات و مرات ليتأكد فعلا أن كل شيء بالمجان.
أسرع مباشرة نحو رواق الشعر ، ليتفاجأ و يزداد سروره بعد معرفته إمكانية استبدال الرأس بأكمله ، شريطة وضع الرأس المستبدل رهن إشاره المحل، شرط لم يعره الطاهر أي اهتمام، و انغمس في البحث عن الرأس المناسب، احتار كثيرا ، ليستقر بعد ساعات على رأس بوجه جذاب و شعر إلى الكتفين ينساب، بدا له مناسبا و سيفتح له إمكانات التمتع بوسامة و ربط علاقات اجتماعية كثيرة.
غادر الطاهر المحل شاكرا للحسناوات خِدماتهم. الفرح باد على محياه و السرور يكاد يوصله إلى أعلى سماء، يصرخ يصرخ بأعلى صوت : "لم أعد حافي الرأس".
أَخرج هاتفه الذكي و غيّر صورته الشخصية في الفايسبوك، ثم قصد مقهى ترتاده الفتيات الشابات ، جلس مّفاخرا بشكله، مستمتعا بمذاق قهوته، منتشيا بالتعليقات الافتراضية و الواقعية التي تنهمر عليه، و مستمتعا بإيماءات التغنج التي تحاصر من كل ناحية.
اختار عدم التسرع شعارا للمرحلة و التعامل بتؤدة و تأنٍّ، فموازين القوى ترجح كفته.
قرر الطاهر العودة إلى بيته و منح نفسه قسطا كافيا من الراحة ليستوعب ما جرى، و بينما هو في طريق العودة استوقفته دورية الشرطة لمراقبة الهويات، طُلب منه الادلاء ببطاقة تعريفه ، لاحظ عناصر الأمن اختلافا بين صورة البطاقة و صاحبها ، حاول أن يشرح لهم و يفسر لكن دون جدوى ، و تم اقتياده إلى أحد مخافر الشرطة .
بعد استكمال البحث و التدقيق تبين أن صاحب هذه الملامح شخص يدعى " غابريال" ، فارٌّ من العدالة منذ سنتين و متورط في تهمة الاتجار بالأعضاء البشرية .
تقرر تنفيد عقوبة الإعدام على غابريال .. نفّدَ العقوبة شخص أصلع بملامح مألوفة.
مجلة فن السرد| مشاتل
إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا