قراءة
في رواية (أزيز الجحيم) للروائي نوّار مهدي النجار
بقلم المبدع والناقد عبد الله الميالي
صدرت رواية (أزيز الجحيم) للروائي نوّار
النجار بطبعتها الثانية في عام 2019 عن دار زحمة كُتّاب للنشر والتوزيع في مصر،
وتقع في 184 صفحة، وتتضمن أحد عشر فصلاً.
ملخص الرواية
الرواية مزيج من الواقعية مع اللاواقعية. تحكي
قصة الشاب (أزاد) في منتصف العقد الثالث، خريج كلية اللغات قسم اللغة الأنجليزية
القادم من مدينة كركوك إلى بغداد للبحث عن الوظيفة بعد التخرّج، وبعد جهد مضني
يحصل على عمل مترجم في قاعدة (الصقر) العسكرية التابعة للقوات الأمريكية في العراق.
عندئذ تأخذ الرواية بُعدها اللاواقعي باستدعاء شخصية خيالية ليعكسها على الواقع
العراقي، تُدعى (سيد الرمال المتحركة) وله الكثير من الأنصار والأتباع، في العلن والظاهر مقاومة القوات الأمريكية،
ولكنهم في الحقيقة يقومون بأعمال إرهابية في العراق وغيره من بلدان العالم ضد
المواطنين الأبرياء. تتخلل الرواية أحداث دراماتيكية مثيرة ومشوقة يشتبك ويتداخل فيها
الواقعي باللاواقعي (الفنتازيا) للقبض على رأس الإرهاب (سيد الرمال المتحركة). في
النهاية أستطاع (أزاد) الوصل إليه، ولكنه صُدم عندما وجده في اجتماع خاص مع القائد
الأمريكي (أبرا) ومسؤول عراقي كبير فاسد (أبو زيدون)!! ، عندئذ اكتشف (أزاد) خيوط
اللعبة: (الآن اكتملت فصول المسرحية، بلدي بين مسؤول سارق وأعجمي مارق يديران
ويخططان ويمولان الدمى المتحركة عن بعد. أما صاحبنا فيدس السم في العسل ويغلف الحق
بالباطل ويحول القاتل إلى بطل، فإذا ضربت بالخلاط السحت مع فساد الحكومة وعجزها
وملعقتين من التطرف والكراهية وكثيرا من الظلم والرغبة في الانتقام ستكون المحصلة
كوكتيلاً طعمه مر كالعلقم اسمه سيد الرمال المتحركة.) ص182. وهذا المقطع هو رسالة
الرواية وبيت القصيد فيها. وعندما يحاول (أزاد) تفجير الجميع بحزام ناسف، يُلقى
عليه القبض ويُساق إلى إحدى الساحات لقطع رأسه.
تحليل الرواية
الرواية تنتمي إلى ما يُسمى بالرواية
الواقعية السحرية التي يُعرفها أحد الباحثين بأنها: (أسلوب سردي متفكك غريب وخيالي
يمزق أو يكسر تدفق ما قد يبدو ظاهريا إنه نص واقعي .. إنها كتابات تصف الواقع
الحقيقي وتصوره سحريا، أو تصف الوقائع السحرية بطرق وأساليب واقعية)[1]
وهذا يعني وجود تداخل بين ما هو واقعي في
الرواية وبين ما هو خيالي، مما يوحي للقارئ بعدم التجانس.
جاء السرد في الرواية بمجملها عن طريق الراوي
(الأنا) بطل الرواية (أزاد) حيث تنحى الراوي العليم جانباً تاركاً مهمة السرد
لغيره.
انحصر الزمان في أحداث الرواية بزمن غير محدد
بالتعيين ولكنه في المجمل مرتبط بتداعيات ما بعد احتلال الأمريكان للعراق، وسقوط
عدد من المدن بقبضة الإرهاب الداعشي الذي رمز له الكاتب بـ(سيد الرمال المتحركة).
ولإعطاء الصبغة الواقعية للرواية، فقد توزّع
المكان الروائي في كثير من الفضاءات الواقعية شملت العراق والمغرب والولايات
المتحدة الأمريكية، وفي العراق نجد فضاءات (بغداد، كركوك، نينوى التاريخية، مكتبة
آشور بانيبال، بابل التاريخية، بوابة عشتار، جرف الصخر، قاعدة الصقر العسكرية) مع
استدعاء المكان الخيالي لمدينة أوروك التاريخية موطن كلكامش: (بدأت مدينة أوروك
برمتها تخرج من الأرض ببيوتها وقلاعها الشاهقة وأسوارها المحصنة وجنود جبابرة
يخرجون من الأرماس التي دفنوا فيها بمحاذاة مجرى نهر الفرات القديم .. أمام
البوابة الكبيرة للمدينة، اجتمعت الثيران المجنحة والأسود العملاقة وأنواع أخرى من
الوحوش مثل طائر العنقاء وحيوان نصفه نسر والنصف الثاني أسد وآخر إنسان يملك قرني
ورجلي ثور وقد وقف ليث أبيض مميز قرب كلكامش..) ص169.
وبالإضافة لشخصيات الرواية الواقعية (أزاد، أم
أزاد، لهيب، أبو زيدون، القادة الأمريكان، رواسي،..) استدعت الرواية شخصيات خيالية
وأسطورية (الشيطان الهفهاف، الجني بهلول، كلكامش،..)
كشفت الرواية الصراع الداخلي لبطل الرواية
وهواجسه، وما كان يعانيه من كوابيس متعددة نتيجة الظروف الصعبة التي مرّ بها في
القاعدة الأمريكية، حتى وصل به الأمر أن يقوم بعملية انتحارية باستخدام الحزام
الناسف بنفسه ضد رأس الإرهاب (سيد الرمال المتحركة) ومن يقف معه من الأمريكان
والعملاء: (كيف أسمي سيد الرمال المتحركة مجرماً وأنا أستخدم نفس أسلوبه؟ هل يمكن
علاج الخطأ بالخطأ؟ لماذا إذن عارضت الضابط كولين في تدمير قاعدة الصقر؟ ومتى
سيتوقف نزيف الدم إذا كنا نقابل العنف بالعنف؟) ص182.
يبدو لنا أن الكاتب مال إلى كتابة هذا اللون
الروائي للأسباب التالية:
1ــ كسر الرتابة في أسلوب السرد التقليدي
والدخول في تجريب سردي حداثوي، حيث تعد الرواية الواقعية السحرية على رأي الكثير
من النقاد والباحثين أحد تمظهرات رواية ما بعد الحداثية.
2ــ خلق صورة فنية جمالية من خلال جذب القارئ
لمواصلة القراءة عبر تدفق الأحداث والمشاهد الدراماتيكية المثيرة من قبيل: (البحث
عن كتاب العزيف المتعلق بطلاسم السحر، البحث عن زهرة الخلود وبعث كلكامش من جديد،
فك لغز الجراد الذي يأتمر بأوامر سيد الرمال المتحركة،..)
3ــ نقد الواقع السياسي والاجتماعي وتعريته
بصورة مبطنة وغير مباشرة، أو مباشرة وساخرة أحياناً: (أنا رب الأسرة الشرقية
ودكتاتور بطبيعتي وأفرض ما أريد ..نشكو ظلم والينا ونظام حكمه الدكتاتوري في البلد
ونتعجب من أين أتى؟ وكيف وصلت الدكتاتورية إلى الحُكم؟ وكيف تنتهك حقوق الطفل
والمرأة في ظل حكمه؟ ونستنتج في النهاية أن سبب خسارة ريال مدريد وانهيار التعليم
والصحة ووصول الحشرات والحيوانات القارضة إلى سدة الحكم هي مؤامرة ماسونية!) ص18 –
82.
الهوامش
1ــ د. شاكر عبد الحميد، الخيال من الكهف إلى
الواقع الافتراضي، ص217 ، سلسلة عالم المعرفة، الكويت – 2009.
مجلة فن السرد/ قراءات ودراسات
إرسال تعليق