الشخصيات في رواية "أبعد من يافا" I سارة أبو ريا

 

ما بين يافا الأرض الفلسطينية المغتصَبة على أيدي الصهاينة، ويافا التي ولدت ونشأت في مصر من أبوين تم تهجيرهما، تتولد صراعات متعددة المستويات سواء على الصعيد السياسي أو النفسي. ولعل ما يحرك دفة الأحداث داخل الرواية هو الصراع النفسي داخل الشخصيات؛ حيث تتصادم أحلامهم مع هواجس الشعور بالخطر. هذا الشعور الذي يلعب دورًا هامًا وحاسمًا في خلق حالة من التوتر والتشويق منذ بداية الأحداث حتى النهاية.

يافا وحسن والسر الخفي

تشوب العلاقةَ بين يافا وحسن الكثير من التساؤلات على ألسنة أهل القرية البسيطة التي يعيشون فيها. أغلب الظنون تشير إلى احتمالية وجود علاقة حب تجمع الطرفين مما يجعل موقف يافا أمام أبويها صعب. تزداد حدة التوتر عندما يختفي حسن وعائلته من القرية دون سابق إنذار، بينما يتم زفاف يافا على ناصر- تاجر من قرية بحر البقر- لتنتقل معه إلى بيتها الجديد. 

يطارد السر الخفي كل من يافا وحسن خلال رحلتهما سواء في بحر البقر أو الإسكندرية. تتغير حياتهما بسبب العوامل المحيطة بهما، ولكن بتفاوت، حيث تصبح يافا أكثر نضجًا ومسئولة عن أسرتها، بينما يدمن حسن الخمر. يجمعهما الحادث الأليم الذي شهدته بحر البقر عندما قامت قوات العدو الصهيوني بضرب مدرسة الأطفال هناك، إلا أنهما لم يتقابلا. ينضم حينها حسن إلى مجموعة من المتطوعين الذين ذهبوا للمساعدة بينما يتم احتجاز يافا وابن زوجها الطفل جلال بسبب إصابته في إثر ذلك الإعتداء الغشيم. 

يمهد هذا الموقف الدرامي الطريق نحو الذروة، والتي تتجلى عندما يتربص عاشور البلطجي لـيافا كي يغتصبها كما اغتصب العدو الصهيوني الأرض، ولكن يفاجئه حسن ليفديها بروحه. وعندما يواجه عاشور المغتصب يافا، تقتله دون تردد، وبذلك تنقشع الغمة في إشارة إلى أن الأرض والعرض لا يُستهان بهما.

سعد ونادية

يحتدم الصراع بين سعد ونادية عندما يدخل سعد السجن بسبب أحداث الشغب التي تلت هزيمة 67، حيث لم يستطع الشعب تقبل المرارة الغادرة. تنقطع أخبارها عنه بينما ينسج سعد الخيالات عنها وتحاوطه الشكوك حيث لم تسأل عنه أبدًا. يبحث عنها كالمجنون في كل مكان عقب خروجه من السجن، وكأنه يبحث عن خيط من الأمل للتعافي من الصدمة التي تلقاها، ولكن كل محاولاته تبوء بالفشل. 

على جانب آخر، تسافر نادية مع أهلها إلى إحدى دول الخليج هربًا من شبح الهزيمة، ولكنها لا تستطيع الإستمرار في الهروب لذلك تعود في أول فرصة. يمكن اعتبار العلاقة بين سعد ونادية أشبه بالمريض الذي يبحث عن الدواء الذي حتمًا سيشفيه على الرغم من صعوبة تذوقه. عندما تواجه نادية سعد بأن علاقتهما لا يمكن أن تدوم، وعليهما تقبل الفراق يشعر حينها سعد بالغدر، ولكن الحياة لابد وأن تستمر، كما يتفاجئ بأنه أهدر الكثير من الوقت. لا يستطيع كل منهما تخطي الأمر بسهولة، ولكنهما يدركان بأن عليهما الإستمرار حتى لو كانت النتائج غير مدروسة.

يافا وعاشور

تماثل علاقة يافا بالبلطجي عاشور علاقة الصهيوني بالأرض الفلسطينية، فكلاهما يطمع في "يافا". يتضح من خلال السرد على لسان شخصية يافا بأنها تأمل في الإنضمام إلى الجيش مع فتيات وشباب الجامعة، كما أنها شخصية عنيدة وصلبة. تحلم بتحرير الأرض والزواج من فلسطيني يحمل القضية على كتفيه، ولكن تشاء الأقدار بأن تتزوج من مصري سبق له الزواج ولديه طفل. لم تتخل عن حلمها بل احتفظت به وهى تتجول بين المصائر المختلفة، لعلها تحققه إلى أن تقابل الصحفية نادية التى تستطيع مساعدتها بالقدر المناسب لها.

 لم يتركها عاشور في حالها بل ازداد تعلقه بها خلال غيابها، وعلم مكانها وقرر أن يباغتها فجأة. عاشور البلطجي لا يبحث عن شئ سوى مصلحته فقط، وهذا يرجع لنشأته الوعرة بين الجبال والشقوق والحياة الصعبة التي عاشها منذ الصغر. هذا ما جعله وحشا كاسرا لا يهاب أحدًا، لذا أقدم على قتل شاهلا الغجرية دون خوف بل أراد أن يقتل الشاهدة الوحيدة على الجريمة؛ ألا وهى يافا،  حتى لا يطارده الخوف. تتجلى علاقة المغتصب بصاحب الحق عندما علم حسن بنوايا عاشور الدنيئة تجاه يافا، وكأننا في حالة مشابهة لإغتصاب الأرض الفلسطينية.

رواية أبعد من يافا، الروائية هبة عبد الحليم، المكتبة العربية للنشر والتوزيع، مصر، 2022

مجلة فن السرد/ قراءات ودراسات