شعرية الالتفاف الجمالي بالقفلات النصية في قصائد سعاد الصباح I د. عصام شرتح

د. عصام شرتح

شعرية الالتفاف الجمالي بالقفلات النصية في قصائد سعاد الصباح

تعد الشعرية الحداثية شعرية اختلافية من خلال فاعلية الالتفاف بالقارئ جمالياً عبر مثيرات التشكيلات النصية المثيرة التي ترتقي بالقارئ من قيمة جمالية استثارية إلى قيمة، لاسيما في القفلات النصية التي تترك إيقاعها الختامي في نفس القارئ أكبر فترة ممكنة من الزمن؛ من خلال اقتناص الكلمات المؤثرة شعريا في نسقها وتحميلها من الرؤى، والدلالات، والمعاني الشيء الكثير؛ وهذا يعني أن الشعرية هي تفعيل جمالي للكلمات في رصفها، وتركيبها على نحو شاعري التفافي بالقارئ؛ مما يجعل الجملة الشعرية تختلف عما هو سائد في الكلام العادي. وهذا ما أكده ريتشاردز بقوله:" الشعر يُصنع لا من الكلمات كتعبير عن الأفكار، ولكن من الكلمات نفسها، الكلمات كأحداث حسية"(1).

ولهذا تختلف الكلمات في لغة الشعر عنها في لغة النثر من خلال حراك الرؤى، والدلالات، وخلق المعاني الجديدة التي تستعلي على القارئ، وتحقق غايتها الجمالية؛ والسؤال الذي نطرحه على خارطة التداول النقدي:

هل اعتمدت سعاد الصباح تقنية الالتفاف الجمالي في القفلات النصية؛ لتغدو مثيرة في تحفيز المتلقي، وجذبه إلى دائرة إبداعها الشعري؟. وهل التفافها بالقارئ جاء على صعيد الصور والجمل الشعرية أم على صعيد الرؤى والدلالات والمعاني الجديدة؟ وما هو محمول قصائدها الجمالي شاقولياً أو نصياً؟. وهل حققت المعادلة الجمالية الأهم بلاغة الرؤيا وفاعلية التشكيل الأسلوبي الجمالي المثير؟

الواقع إن الشعرية – عند سعاد الصباح- كتلة متحولات نصية ترتقي في قصائدها من حيز جمالي أسلوبي إلى آخر؛ فهي تباغت القارئ بالتفافها بالجمل والقوافي التفافاً شاعرياً يؤكد وعيها الجمالي وحراكها الأسلوبي من مثير أسلوبي جمالي إلى آخر؛ وهذا يؤكد أن شعريتها شعرية اختلافية انسيابية تعتمد على رشاقة الكلمات، وسحر إيقاعها الجمالي، بالانتقال من مثير تشكيلي إلى آخر؛ مما يؤكد بلاغة النسق الشعري- في قصائدها_ وحراك الرؤى، والدلالات، والتفافها بالقارئ في تشكيل الجمل الاختلافية، وخلق ممانعتها النصية البليغة.

تقول سعاد الصباح في قصيدتها(وحدي)ملتفة بالقارئ من أسلوب جمالي تشكيلي خلاق إلى آخر:

أنا وحدي أتردى في متاهات الطريق

أثقلتني قسوة الأيام بالقيد العتيق

ورمتني وسط أتون من النارِ سحيقْ

ثم ألقت بي إلى بحرٍ من اليأس عميق

لأقاسي نهم ضدينِ: بحرٌ وحريقْ

في وجودٍ ليس في جوه الباكي صديقْ

والظلام العابسُ الوجه بآمالي محيقْ

ونجومُ الليلِ سوداء امحى منها البريق

ياأميري أنت يامن كنت للروحِ شقيقْ

قمْ تأمل وحدتي اليوم؛ وقل كيفَ أطيق؟

أنت .. حتى أنت قد خلفتني دون رفيق

وجعلتِ العالم الواسع كالقبر يضيقْ"(2)

إن القارئ هنا يلمس جمالية الالتفاف بالقارئ أسلوبياً من قافية إلى أخرى، ومن صورة إلى أخرى؛ لتحقق بلاغة الرؤيا الشعرية في فاصلة الختام؛ من حيث العمق والاستثارة وبلاغة المؤشرات الجمالية على مستوى علاقة الكلمات فيما بينها بقوة الرابط الجمالي والمثير التشكيلي المراوغ، كما في قولها:[ والظلامُ العابسُ الوجهِ بآمالي محيق/ ونجومُ الليلِ سوداء امحى منها البريق]؛ والواقع أن فنية القصيدة تكمن في الالتفاف بالقارئ في الفاصلة الختامية لتشكل إيقاعها الجمالي المتحول بالقارئ من قيمة جمالية إلى قيمة: كما في هذه القفلة المثيرة الشاعرية:[أنت حتى أنت قد خلفتني دون رفيق/ وجعلت العالم الواسع كالقبر يضيق]؛وهذا الأسلوب الجمالي يدلل على شعرية التشكيلات اللغوية ومهارة الشاعرة بالانتقال من قيمة جمالية إلى أخرى، والالتفاف بالقارئ بأسلوب جمالي يدلل على حنكة تشكيلية وحراك فني جمالي أسلوبي.

والمثير أن شعرية الالتفاف الجمالي بالقارئ من مستوى أسلوبي إلى آخر؛ في شعر سعاد الصباح يتوقف على حراك الرؤى الشعرية وحنكة الشاعر في التوليف بين الجمل والتنفيس عن إحساسها بأسلوب شاعري مثير،كما في قولها:

يا أيها القديس الذي علمني

أبجدية الحب..

من الألف إلى الياء..

ورسمني كقوس قزح

بين الأرض والسماء..

وعلمني لغة الشجر..

ولغة المطر..

ولغة البحرِ الزرقاءْ..

أُحبّكْ..

أُحبّكْ"(3).

هنا، نلحظ بلاغة الرؤية الشعرية وقوة الإحساس الاغترابي العاطفي الغزلي الذي يدل على حنكة الشاعرة في الا لتفاف بالقارئ من صورة إلى صورة عبر متحولها الأسلوبي التشكيلي المثير؛ وهذا ما تظهره الشاعرة في الالتفاف من صورة إلى صورة، كما في قولها:[ يا أيها القديس الذي علمني/

أبجدية الحب/ من الألف إلى الياء/ ورسمني كقوس قزح/ بين الأرض والسماء]؛ وهذا الأسلوب الشعري التفاعلي في ربط الكلمات بأسلوب عاطفي جمالي يثير الرؤية الشعرية ويحقق مبتغاها الجمالي...

وثمة مناورة أسلوبية جمالية في تشكيل القفلات النصية الملتفة بالقارئ في قصائد سعاد الصباح، وهذه المناورة تفرضها طبيعة الرؤيا الشعرية وجمالية الفضاء التشكيلي التعبيري الذي تثيره قصائدها على المستوى الفني أو الجمالي، لتكون القفلات النصية شاعرية في تحفيز الرؤيا الشعرية وإثارة إيقاعها الجمالي، كما في قوله:

أنا الخليجيّةُ
التي نصفُها سَمَكَةْ
ونصفُها امرأةْ..
أنا النايُ.. والربابةُ.. والقهوةُ المُرّةْ..
أنا المُهرةُ الشاردةْ
التي تكتبُ بحوافرها نشيدَ الحريّةْ.
أنا الخنجرُ البحريُّ الأزرقْ
الذي لن يستريحَ
حتى يقتلَ الخُرافةْ..."(4).

هنا، تباغتنا الشاعرة باقتناص التشكيلات التقفوية المنسابة التي تنسجم ووقع الحالة العاطفية بإحساس جمالي وحراك رؤيوي تفعيلي للأنساق الشعرية المثيرة :[ انا المهرة الشاردة التي تكتب بحوافرها نشيد الحرية/ أنا الخنجر البحري الأزرق الذي لن يستريح حتى يقتل الخرافة...]؛ وهذا يعني أن الشاعرة تلتقف بالقارئ جمالياُ لتقف على المثيرات التشكيلية المؤثرة التي تفعِّل الرؤية الشعرية، وتحقق إيقاعها الجمالي المتحرك من قيمة جمالية إلى قيمة؛ وهذا الأسلوب التشكيلي المراوغ علامة فارقة في البنية التشكيلية العلائقية لقصائدها الشعرية على المستوى الفني الجمالي.

والملاحظ كذلك أن شعرية الالتفاف الجمالي بالقفلات النصية المثيرة- في قصائد سعاد الصباح- تتوقف على فاعلية التوليف الجمالي وربط الأنساق الشعرية التي تجعل من إيقاعها الجمالي المحرك الأساس لتفعيل الشعرية وإثارة إيقاعها الجمالي؛ لتكون القصيدة – عند سعاد الصباح -بؤرة تفعيل الأنساق الشعرية الملتفة بالقارئ جمالياً من قافية إلى أخرى بتواتر فني استثاري بليغ يؤكد مهارتها الأسلوبية وفاعلية قصائدها في مستواها الرؤيوي والتشكيلي، كما في قولها:

إنني بنت الكويت

بنت هذا الشاطئ النائم فوق الرمل ،

كالظبي الجميل

في عيوني تتلاقى

أنجم الليل ، و أشجار النخيل

من هنا .. أبحر أجدادي جميعا

ثم عادوا .. يحملون المستحيل"(5).

إن القارئ هنا يلحظ الفضاء الجمالي التشكيلي المراوغ من خلال الالتفاف الجمالي بالقفلات النصية المثيرة التي تبرز في اختيار القوافي الانسيابية التي تتماشى ووقع الحالة الشعورية العاطفية ، وتناغم المؤشرات الفنية في الصور والتشكيلات المراوغة:[ الظبي الجميل- أشجار النخيل – يحملون المستحيل]؛ ولها بدت الأنساق الشعرية منسابة جمالياُ من خلال هذا الحراك الجمالي الاستثاري البليغ ، وتنوع الرؤى الشعرية على هذه الشاكلة الإبداعية في التشكيل؛ وهذا ما استثمرته الشاعرة في الفاصلة النصية من القصيدة:

سوف أبقى دائما ..

أنتظر المهدي يأتينا

وفي عينيه عصفور يغني ..

و قمر ..

و تباشير مطر ..

سوف أبقى دائما ..

أبحث عن صفصافة .. عن نجمة ..

عن جنة خلف السراب ..

سوف أبقى دائما ..

أنتظر الورد الذي

يطلع من تحت التراب"(6).

هنا، نلحظ المتعة الجمالية في الالتفاف الجمالي بالقفلات النصية المثيرة: لتبرز الأنساق الشعرية بانسيابية بليغة وحس جمالي استثاري بليغ في تحريك الشعرية واستثارة إيقاعها الجمالي:[ في عينيه عصفور يغني وقمر/ وتباشير مطر]؛ فهذا التآلف والانسجام في حركة القوافي وانسيابها فنياُ يدلل على فنية تشكيلية عالية في رسم القوافي المتناغمة لتجري سلسة متدفقة بإيقاع جمالي وتناغم انسيابي آسر:[ خلف السراب – تحت التراب]؛وهكذا تبرز الأنساق الشعرية في قصائدها قمة في اللذة والمتعة الجمالية في تلقيها؛ تدليلاً على حراك الرؤى الشعرية وإنتاج الدلالات المؤثرة .

-وصفوة القول : إن شعرية الالتفاف الجمالي بالقفلات النصية المثيرة- في قصائد سعاد الصباح – تتأتى من بلاغة التشكيلات النصية المراوغة ومهارة الشاعرة أسلوبياً في اقتناص التشكيلات النصية المثيرة التي تحرك الشعرية من خلال الالتفاف بالقوافي والرؤى الشعرية، لتبدو قصائدها شعلة ملتهبة من الأحاسيس والرؤى والمواقف العاطفية المشحونة بالتمرد والقوة والانفعال. ولهذا ترقى شعريتها بصو\تها الانثوي المتوهج ورؤاها الشعرية المتوترة إحساساً ورؤية وفضاء تشكيلياً مراوغاً على المستويين :الجمالي والرؤيوي في آن معاً.

الحواشي: