فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

طائر الكيتزال البرّاق I عروبة المخطوب I مشاتل

 

مجلة فن السرد



أَيُعقل أن أستيقظ يومًا لأراني سُجنت وقُيدت لأجل ذَنبٍ ما اقترفته يومًا ؟

هذه البداية فقط حينما بَاشر هذا التساؤل المُباشر والمُرعب يدقَّ ناقوس الخطر ليَستحوذ على لُبَّ عقلي وكَياني، جَحظتُ عَيناي بِذهول وإرتياع  لا يُطاق ، اندفاعهم المُفاجئ من خلف أبواب مَنزلي ومُحاصرتي من جَميع الاتجاهات جعل نَبض قلبي يُزمجر من هَول الجَزع والحيرة، محاولاتي المُتعثرة لكي أتملص من أيدي الضخم المُقيد لذراعاي من الخَلف باءت بالفشل كُنت أصرخ كَالمجنون  المَسْعور لأجل الوصول الى كَلمة واحدة عن سبب اعتقالي ، كان الوقت يَنقضي وكَأنه في تسارعٍ تَنافسي كيف ومنذ متى أنا هُنا ؟ لا أعلم !    وجدت نفسي داخل حُجرةٍ صغيرة وأول ما كان يَتبادر إلى ذهني حينها أنني أعتقلت لسببٍ لا أعلم ماهيته، وكم كُنت أخشى أن ذاك التساؤل والحُلم قد تَحقق ، فَتعالت أنفاسي رهبة وجسدي بدأ في الارتعاد بشكلٍ لا يُصدق، مشاعرٌ حَبست أنفاسي وظَننت أن ما يَفصل بيني أنا والمَوت ليس إلا ثواني معدودة .

أرهقني ودمرني الإحساس بتلك الأقدام التي تَدنو مني بثباتٍ أجفلني ، فاستمعت لحسيسِ صَوت أجش هَبَّ صارخًا بي يُبلغني بذنبٍ قَد ظننتهُ بالهِّين، ولم أكن للحظةٍ واحدة أتخيل أنني سأُعاقب عليه ، يا إلهي إنني هُنا بسبب أفكاري وتفكيري بالذنب أخبرونني أنني قيد الاعتقال بسبب عَزم عقلي على التفكير بالجَريمة لذلك أنا هُنا الآن ، لم تَنقضي سوى لحظاتٍ قصيرة حتى بدأتُ بالضحك بشكلٍ لم أستطع السيطرة عليه وأخذت عيناي تدمع من شدة ضحكاتي ، فَصرختُ هادرًا بعد نزعه  اللاصق عن شفتاي، ما هذا الهراء؟ أيعقل ان أُسجن وأعاقب لمجرد التفكير فقط ؟ فَكان الرد صاعقًا مُبعثرًا مؤلمًا حينما أخبرني هذا الرجل الضخم بجملةٍ لن أنساها طيلة حَياتي، أو تظن أنك تَعيش كَما طائر الكيتزال البراق ؟  فَرفعتُ رأسي شامخًا وطالبتُ بالإفراج .

ربما يومًا أو يومان انقضيا وأنا في الحُجرة ذاتها ، وبغتة بينما كُنت أنا بعيوني الناعسة أستند بظهري على الحائط الجداري، لمعت في عقلي فكرة ماذا لو حاولت الهُروب ! فابتسمتُ واضطرب فؤادي وأنا أنهض مُتجاوزًا تَيبس عظامي ، سرعان ما تبددت ابتسامتي وأنا أوبِّخ الأمل  المُنبثق من جَوفي كالبُرعم الصغير، وأخذت اقدامي تسير ببطىء وتردد وأنا من أعماقي أعلم أن الخُروج من هُنا مُحال .

ما بَين اندهاشي  وجُنوني في هذه اللحظات خَط رفيع ، هذا ليس بسجن بل اااااا ...

آه يا الهي، كان الصوت يقترب مني كثيرًا حتى انحنى ظهري من قوته.. إنني الآن تحت أعماق البحار والماء يغمر جسدي ،  يا آلهي ليتني كُنت مسجونًا ولا أموت غرقًا..

لا أعلم كيفَ أنا وجسدي، أصبحنا على السطح لأراني أتأرجح ما بين الطفو والغرق، حتى ارتجَّت ملامحي من هول ما أراه؛ النُسور فوقي !  يا الله ليتني متُ غرقًا ولا أموتُ والنُسور تفترسني ، ألهذه الدرجة حظي عاثر ؟ أيُّ ذنبٍ هذا الذي اقترفته لأعاني هكذا في موتي وكأن القدر يَتلاعب بي.

 افترَّ ثغري مَشْدوه وأنا أشاهد النسور تبتعد عني، وكأنها لم تراني، وما ضاعف انبهاري القطعة الخشبية الأشبه بالقارِب بِجانبي.. أيُّ معجزاتٍ تُعايشها الآن يا فهد؟ اقشعر جسدي وأنا أستند على القطعة الخشبية، آملا أن تُوصلني إلى الشاطئ بر الأمان.

 بينما كُنت أنهي لساني عن ذكر اسمي خِشية أن أراهُ على أرض الواقع أصابني الذعر وتفوه لساني مُتلكئ: آه يا آلهي ليتني مت والنسور تأكلني ولا يأكلني الفهد، وليس واحدا؛ لا، بل اثنان يبدو أنهما سيتناولان العشاء والغداء الآن ، اذن لأبقى في عرض البحر، أفضل لي من المُجازفة.. فبدأت أشير بيداي للفهود والضحكة تعلو وجهي ، ضيقت ما بين عيناي وأنا أرى أحدهم يهزَّ يدي بعنف

- فهد فهد استيقظ يا هذا .

هل يُعقل أنني في جوف كابوس الآن هل يعقل أن أحلامي وواقعي يتداخلان بشكلٍ عنيف مُرعب ، الكيتزال البراق لطالما كُنت أسعى دومًا في حياتي لأصبح مثله لأمضي بخطى ثابتة، كم كان الحلم قريبا مني أنا فهد الزيناتي رجل في حظه المُتعثر غارِق، وفي أفكاره السوداء مُنْغَمس .

وكَم أتوق لأحلامي العالِقة أن تتحقق كم بَدوت مُستاء مُتألما في حياتي حتى ظننتُ أن لا أحد سواي يَتألم، فَباتت أحلامي كوابيسًا عاتية تَعصف بي وتُرهقني ، كُل شيء في حياتي عالِق على الرغم من صبري وثباتي وإيماني بالأمل، وما زلت أتخبط وأتلوى من تلك الضربات القوية الآتية من صبري حتى فقدتُ الأمل .

كان هُناك شيخًا في حارتي، على بُعد أربعة بيوت من بيتي، وددت الذهاب إليه وما كان مني إلا تحقيق مُبتغاي، وحينما أخبرته بماذا يحدث لي ، في الحقيقة ضرب توقعاتي به في عرض الحائط؛ ظننته سيطالبني بمزيد من الخشوع والإيمان والصبر ولم أكن أتصور للحظة ما وجدهُ الحل الأنسب لمعضلتي .

نفذتُ ما أمرني به الشيخ، ومنذ ذاك الحين أراني سعيدًا مُرتاح البال مَحظوظًا حُرًا طليقا، فكانت كلمة السرّ حين ذاك لأخبركم بها ، طائر الكيتزال البراق؛ هذا ما أرادني الشيخ أن أحرص على حبه ما دام يحببني في الحياة.


مجلة فن السرد/ مشاتل

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد