الموت في ثلاثية الروائي حسام قنديل I سارة أبوريا

 

الموت  في ثلاثية الكاتب حسام قنديل

سارة أبو ريا

ليس من السهل على الإنسان أن يفضل الموت على الحياة، إذ لابد وأن هناك العديد من الدوافع التي جعلته يفكر في الحياة بشكل سلبي. كما يتأثر الفرد بالعوامل المحيطة به بالإضافة إلى التقيد بأحكام المجتمع الذي ينشأ أو يعيش فيه، حتى ولو كانت هذه الأحكام لا تناسبه ولا تتماشى مع أفكاره. لذلك، فهناك العديد من الأسباب التي تطفئ الرغبة في الحياة، وبشكل تدريجي، بداخله. هذا وتلعب الإرادة الحرة دورًا حاسمًا وهامًا في لعبة الإختيارات المتاحة أمامنا حيث تعتبر الرهان الأساسي أمام التحديات التي لا تنتهى. ومن ثم يدرك الإنسان أن الحياة تمثل قيمة كبيرة إذ نظر إليها بعين الخصم في معركة أبدية، لا تزول إلا بموته.

الفعل ورد الفعل:

تتمتع الشخصيات في الروايات الثلاث – "اسمي عزرا"، "خنجر أنير"، "عالم مغلق باتساع"- بالإرادة الحرة التي تجعلها تختار الدرب بنفسها. وعلى الرغم من اختلاف الحبكات بين الروايات الثلاث، إلا إنها تجتمع حول ترك الشخصيات زمام مصيرها لشخص آخر، يتحكم فيها ويدفعها نحو النهاية الحتمية. إذا نظرنا إلى رواية "اسمي عزرا"، سوف نجد أن سالي ونانسي يفضلن الموت كنوع من الإستسلام والرضوخ أمام العقبات والتحديات التي لم يستطعن الوقوف أمامها. بينما اختارت نورهان- بالرغم من صغر سنها- طريق التحدى وحب الحياة وعدم الإستسلام بسهولة مما جعلها تنجو بحياتها من براثن عزرا. 

وعلى الرغم من الظروف الصعبة المحيطة بالنساء الثلاث في الرواية، إلا أن اختيار الطريق السهل أدى إلى هلاك سالى ونانسي في نهاية المطاف. لا جدال على أن قانون الحياة هو الوقوف بشموخ أمام كل ما هو صعب، بل والسخرية منه إذا تطلب منا الأمر، ولكن البحث عن الموت كوسيلة للهروب من المواجهة أو بسبب ضعف الشخصية، هو ما يحطم الذات الإنسانية. لذا، فقد رسم الكاتب شخصية نورهان المحبة للحياة، على عكس سالى ونانسى، وذلك لتوضيح وإبراز ثيمة حرية الإرادة. 

لقد فضلت نورهان الحياة عن الموت، حيث يتجلى ذلك في مواجهتها لأهلها وانتقادها لأسلوبهم في الخوف عليها. علاوة على زواجها من آدم – على الرغم من علمها بقرب أجله بسبب تمكن المرض منه- إلا أنها صممت على الإرتباط الرسمي به، ولم تهتم باعتراضات أهلها. لم تستطع كل من سالى ونانسى تحدي العقبات كما فعلت نورهان حيث يُظهر هذا التناقض الثيمة الرئيسية في الرواية.

في رواية " خنجر أنير"، تختار الشخصيات طريقها قبل بداية الأحداث، حيث نستكشف مع السرد طبيعة هذه الإختيارات ودوافعها. وبالرغم من اختلاف الشخصيات سواء على مستوى الخلفية الإجتماعية أو الثقافية، إلا أنها تشترك في العيوب الأخلاقية. كما لا تشفع مظاهر التمسك بالتدين لهذه الشخصيات؛ حيث يتم إفشاء أسرارها علنًا عقب وقوع الجريمة البشعة، والتي تم تصويرها فيديو ونشرها بدافع الإنتقام. من ناحية أخرى، تعد علاقة آسر بأخيه مهاب العلاقة الإنسانية الوحيدة داخل الرواية، إذ نكتشف أن آسر يعتبر نفسه بمثابة الأب لـ مهاب، فهو من ينوب عنه في الإنتقام والأخذ بالثأر جراء ما ناله على يد عائلة زوجته السابقة. 

وإذا ألقينا الضوء على شخصية آسر، سوف نلاحظ أنه  قتل ضميره الإنساني في سبيل تنفيذ مهمته، ومن ثم يمكن اعتباره شيطانًا متجسدًا في هيئة بشري يدرك حقيقة واحدة، ألا وهي أن البشر لا يستحقون سوى الكراهية. كما يقدم على أفعاله الإنتقامية ليس بهدف المال بل لحفظ النظام وإلا انقلبت الحياة رأسًا على عقب.

 لم يشمل هذا العالم أي شخصيات مثالية بل الجميع مخطئون ومذنبون، ولم يكتفوا بهذا، بل مارسوا طغيانهم على الآخرين. لذا يمكن اعتبار مهاب ضحية هذا الطغيان البشري، الذي لا يهمه سوى تحقيق المنفعة الشخصية ولو على حساب تدمير وتشويه سمعة الآخرين.

على جانب آخر، من الملاحظ أن الشخصيات في رواية "عالم مغلق باتساع"، تعاني العنفَ والإضطهاد، مما جعلها تستسلم للطبيب نادر ليتلاعب بها كيفما شاء. ربما يُخيل لنا  نادر شيطانًا لا يعرف الفوضى أو العشوائية، فهو المتحكم في الأحداث كما هو المتحكم في مصائر الشخصيات الأخرى. تلقي الرواية بظلالها على جميع المستويات الإجتماعية التي تقع تحت طائلة سيطرة نادر، حتى يتسنى له تنفيذ عالم شخصية أديب الذي نسجه من محض خياله. علاوة على أن هذا العالم يتمتع بالحضور النسائي، ولكن هذا ليس من باب الصدفة حيث تسلط الرواية الضوء على فرض الرجل سطوته على المرأة باعتباره صاحب الرأي الأوحد داخل مجتمع يتمسك بالتقاليد العتيقة. ومن ثم تعتبر المرأة هنا فريسة يسهل افتراسها طالما تسير وفقًا لمعتقدات وأعراف هذا المجتمع، الذي لا يهتم سوى بالمظهر وكلام الناس. كما يفتقد هذا العالم للحب والمشاعر الطبية، لذا فلا تستطيع النساء مقاومة نادر الذي يمنحها هذا الشعور، وبالتالي تصبح ضحيته بسهولة. لا يشعر نادر تجاه الضحايا بالشفقة أو العطف، بل يزداد إيمانه بما يفعله مما يجعله  ينجرف نحو نهايته المحتومة.

رائحة الموت:

تنتشر رائحة الموت بين الروايات الثلاث، بالرغم من اختلاف الطريقة، كما يتم اعتبار الموت هو النهاية الحتمية للتخلص ممن يشوهون الحياة. في رواية "اسمي عزرا"، يمارس سراج مهامه دون أن تتلطخ يده بنقطة دماء. نتفاجئ في النهاية بأنه يعترف بكل بساطة أمام المحقق، حتى يضع نهاية للرواية التي يكتبها. بينما في "خنجر أنير" نجد أن فعل الموت هو انتقام من الأشرار الذين لا يترددون من إيذاء الغير، وليس هذا فحسب، بل يختلقون الأعذار لهذه الجرائم. في حين نلاحظ  أن الشخصيات داخل "عالم مغلق باتساع" تسير نحو النهاية للخلاص من الجحيم الذين يعيشون فيه، وكأنهم يهربون من الحياة الصعبة بتقبل الموت.

الرمزية:

تشترك الروايات الثلاث حول فكرة الموت، أو ربما أنوبيس إله الموتى في الحضارة المصرية القديمة، والذي لعب عدة أدوار في الفترات المختلفة. ففي "اسمي عزرا" و"عالم مغلق باتساع"، نجد أن سراج ونادر يشتركان في أنهما يرشدان الأرواح إلى العالم الآخر، وكانت هذه إحدى المهام الخاصة بأنوبيس. في المقابل، نجد  في خنجر أنير أن آسر هو من يقوم بتحديد من يستحق النهاية على يديه كما كان يقوم أنوبيس بوزن القلب لتحديد إذا ما كان الشخص يستحق الدخول إلى عالم الموتى، وذلك من خلال تقييم قلب الشخص المتوفى عبر ماعت التي كان يتم تمثيلها غالبًا كريشة نعام.

 من ناحية أخرى، نلاحظ أن للأسماء أيضًا رمزية داخل الروايات الثلاث، فـ "عزرا" هو الإختصار لـ عزرائيل، و"آسر" هو من القوي الشديد الذي يستطيع بقوته أن يأسر الخصم ويغلبه، وهذا دور آسر في "رواية خنجر أنير". في حين أن نادر هو المتقدم في علم، وهذا ما يقوم به داخل "عالم مغلق باتساع" حيث كان يقوم بعمل أبحاث خاصة على ضحاياه. ونستخلص مما سبق ذكره أن لأسماء الشخصيات المحورية دلالة في الأحداث كما تشير إلى طبيعتها دون الحاجة إلى سرد تفاصيل بشكل تقريري جاف.

رواية اسمي عزرا، المؤلف حسام قنديل، ببلومانيا للنشر والتوزيع، مصر، 2019

رواية خنجر أنير، المؤلف حسام قنديل، منشورات إبيدي، مصر، 2021

رواية عالم مغلق باتساع، المؤلف حسام قنديل، عن منشورات إبيدي، مصر،2023

بقلم سارة أبوريا

مجلة فن السرد/ قراءات ودراسات