فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

"أنا... بصيغة أخرى" المزاوجة بين الواقع والفانتازيا I كمال العود

أنا بصيغة أخرى

 

 

لم يتعرف الوطن العربي على القصة القصيرة إلا مع بداية القرن العشرين، وهذا ليس تاريخا متأخرا، فالقصة جنس أدبي جديد، تم التعرف عليه منتصف ونهاية القرن التاسع عشر، حيث رصد النقاد كتابات جديدة ومختلفة عن الفنون الأدبية الأخرى والمتعارف عليها، مثل الرواية، الشعر، والمسرحية، وكذلك كتابات نيكولاي جوجول، وتشيخوف، وادجار ألان بو.

وقد عرفت القصة القصيرة قفزة كبيرة حيت تمردت على تقليد نماذج جوجول وتشيخوف وموباسان، وكسر التسلسل في الزمن والحدث، واعتماد نماذج حديثة التكثيف والإيحاءوقد تطورت القصة القصيرة عبر مواكبتها للتطورات والتحولات التي كانت تحيط واقعها المعيش.

بعد هذا الوصف المكثف لمسيرة القصة القصيرة، فقد اخترت المجموعة القصصية "أنا.. بصيغة أخرى" للقاص (كريم بلاد) لتكون محل القراءة الأدبية.

منذ "أوان الحب.. أوان الحرب" كأول إنجازات الروائي والقاص (كريم بلاد) السردية، وحتى "أنا... بصيغة أخرى"، تنامت تجربة كريم الروائية والقصصية وتواصلت ابداعاته وفنياته، مستفيدا من الخبرات القرائية، والملتقيات القصصية، ومجايلته لرواد القصة بالمغرب.

مجموعة "أنا... بصيغة أخرى" صدرت سنة 2022 وتضم 14 قصة. يظهر فيها امتلاك القاص حسا رفيعا باللغة وجماليات ألفاظها. يرسم بها المشاعر والمشاهد تشد القارئ. تنساب بهدوء، محسوب، وسلاسة محفزة، وأسلوب عفوي من السهل الممتنع، والممتع في آن واحد.

فقد اعتمد في قصصه على الرمزية والفانتازيا، وأحيانا أخرى الكوميديا السوداءبعض قصص المجموعة توجه إليك لكمة وحشية في الصدر، إنها تضعك وجها لوجه أمام العمق الرهيب والمخيف ببساطة متناهية، أمام شجاعتك إزاء الحقيقة وماهيتها وخيارات الحياة الواقعية والخيالية، هل حقا اخترت ما تريده في حياتك؟ هل الحياة المنمطة، التي تمليها عليك العائلة والمجتمع والملابس الأنيقة والوظيفة والأيام المتلاحقة، هي ما اخترته فعلا؟ وإذا ما تجرأت وخرجت من هذا كله، فهل ستكون قادرا على احتمال العالم والتعايش معه؟

فالسارد كريم مثلا يريد الخروج من حياته النمطية والمملة كما جاء في قصة "المرأة والمطرقة ص 23: "دوام الحال من المحال، ألا يحق للإنسان الحر العاقل أن يتحول عن سلوك، وينكر مبادئه القديمة، ويصبغ على نفسه لوكا جديدا يجابه به الحياة المتحولة سريعا؟ ألا يملك ذلك؟ ألا يملك ذلك؟" هذا التغيير سيجابهه اصدقاءه بالاستنكار والرفض:

"- تبدلتي أأستاذ

- أواه، بصح؟

وضحكت مجلجلا، فشعر بالضيق واستدار ليغادر" ص 25.

وقد تبنى في عدة قصص من المجموعة أسلوب الفانتازيا، معتمدا على الخيال والوهم وأشياء غريبة الشكل غير المحكومة بالمنطق.

وظف الأدباء الفانتازيا لطرح آيدلوجياتهم من أجل تصحيح الأخطاء الاجتماعية والتاريخية في الواقع الراهن كما يرونها... فكريم بلاد يعالج مسائل الواقع بنمط من التخيل المجازي الذي يعيد صناعة البنى المعرفية للواقع والمجتمع " في كل أركان المدينة وحوش حقيقية، كما في الغابة تماما، وحوش من كل الأنواع التي نعرفها، والتي رأيناها على شاشاتنا التلفزية عندما كنا لا نزال نعيش في المدينة الخالية من الوحوش، المليئة بالبشر، البشر الآلفين فقط". (أنا... ووحوش المدينة ص 47).

قارئ النصوص الأخيرة من المجموعة، يلحظ استخدام القاص للفنتازيا والسخرية؛ كقصص " أنا... والملك"، "أنا... والمدينة"، "حمير القبة"... لكن ما أثار اعجابي هو إدارج القاص للواقعية ضمن قصص فانتازيا خيالية كما جاء في قصة "حمير القبة:

"- ستبدأ جلسة القبة بعد قليل، وستسمع بأم أذنيك، فتلعن مدرستك التي تعلمت بها الخرف وسقط الكلام المعوج. هل ولجت مدرسة ما؟

- قسم من البناء المفكك، رص على حاشية الوادي في الدوار.

- تخطيط مرتجل من مسؤولينا النشالين".

فالقاص كريم يضع الأحداث في أجواء فانتازية غريبة يدمج فيها العقلاني باللاعقلاني والواقعي بالوهمي المتخيل، واتخد من السارد شخصية تعيش بين الواقع والخيال، ليقدم لنا  نقدا ساخرا لما يحدث في المجتمع وأن الإنسان ابتعد عن انسانيته، ويحن للطبيعة كما في قصة "أنا...والمدينة: "في الغابات وجدوا الحياة، الأشجار والعصافير والحيوانات والمياه المتدفقة. سروا بذلك...أزالو ملابس المدينة عن أجسادهم، ولبسو العري وأوراق الأشجار...فبدت المدينة نائية وحل الهدوء، ونأت المسافات، واتصلت الحميمية والألفة وتفشى السلام".

لقد استطاع القاص كريم بلاد  من خلال هذه المجموعة المتميزة، أن يعرض قصصا قصيرة بلمسات فنية عالية، تحرص على مقومات هذا الفن. واعتمد على أساليب حديثة في السرد القصصي لمعالجة قضايا الذات والمجتمع بعمق نفسي واجتماعي وخيالي.

 

كمال العود

الكاتب كمال العود


 مجلة فن السرد/ قراءات ودراسات

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد