فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

الأدب والفن في السينما I حميد المصباحي

 

مجلة فن السرد


الأدب والفن في السينما


 

تتفاعل كل الفنون مع بعضها، و تتأثر بالآداب، من منطلق المشترك كخيال، بما يعنيه مـن إبداعية في الصور، سواء كانت فنية أو تعبيرية. فالمسرح على سبيل المثال، يمكنه أن يمتح من اللغة الشعرية، كما يمكن للسينما أن تتعامل مع الخيال الروائي، تاريخيا، فتغني فن السرد و تغتني به في الوقت نفسه، كما أن القصة القصيرة، صار بالإمكان تحويلها لحدث بالصورة، الساخرة أو المثيرة لقضية ما، فما هو حال هذا التفاعل في المغرب؟ هل هو حادث أم غائب؟ ما هي أسباب التنافر المحتملة بين الفني و الأدبي؟

1-السينما و الرواية:

للرواية في المغرب تاريخها الخاص، فقد انتقلت من الواقعي بشكل عام، إلى التجريبي، وفق آليات تأثرت بالنقد المغربي، فخلقت توجهين، واحد مال لجمالية اللغة، باستحضار التجارب المشرقية، المصرية و السورية، و آخر حاول الانفتاح على الفكر الغربي الأوروبي، و بينها نشأ الحس التجريبي، أما مجال السينما، فمن الصعب تصور وجود تيارات أو تصورات حتى في تاريخ السينما القصير نسبيا، و ربما لهذه الأسباب، وجدت السينما في المغرب، مجرد وسنمة للمسرح، في اتجاهه الفرجوي، اللهم بعض الاختراقات، التي تجاوزت منطق الفرجة، بالاقتراب مما هو واقعي، في اللغة و بعض القضايا، بجرعة زائدة من الجرأة، التي لم تفهم بعد أن منطق الحداثة ليس في خدش الشعور العام، بأية وسيلة، بل إن السينما كما وصفها ماركوس دجس، تؤكد أنها الفن الذي يجعل من لحظة الوعي متعة، و ربما من لحظة المتعة وعيا.

 و هنا المشترك مع الرواية، فالسينما لتستطيع توظيف الرواية المغربية، لا تحقق ذلك بمجرد رغبة المخرجين، بل إن هذه المهمة يمارسها السيناريست، القارئ للآداب، وليس ذاك الملم بتقنيات الحوار، و المتعاون مع مصور، في صيغة مخرج، و بذلك لم يحاول السيناريو بالمغرب التعامل مع الرواية المغربية، مع أن الوقت الراهن يثبت أن أغلب النجاحات التي حققتها السينما العالمية كانت من خلال الروايات التي تم تحويلها لأفلام سينمائية.

 هذه الحقيقة يتهرب منها المخرج المغربي، المتجنب للتعاون مع الروائيين؛ بخوف غير مبرر و غير مفهوم، فالمخرج يعتبر نفسه قادرا على ترتيب أموره، محاولا إقناع الناس أن السينما صناعة، و تقنية، و الروائي يشاهد الأفلام المغربية بمرارة.

ففي الكثير منها، هناك غياب التخييل المبدع، و أقصى ما تصل إليه فنيا، هو تلك الواقعية، القريبة من برنامج "أخطر المجرمين"، في مجالات الجريمة، إضافة إلى تحويل بعض الروايات البوليسية لأفلام، انتهت بدون أن تمتد لأعمال تراجيدية أخرى، ليكتسب السيناريست تجربة في هذا المجال، غير أن كتاب السيناريو يشكون هم الآخرون من سطوة المخرجين، و تدخلاتهم في كل شيء.

2-القصة و السينما:

ربما ينطبق الأمر نفسه على تعامل صناع الفيلم القصير مع القصة القصيرة، مع  إضافة معطى جديد، و هو أن القصة المغربية، في صيغها التجريبية الحالية في المغرب، لا يمكن تطويعها للفيلم القصير، من منطلق محاولاتها التخلص من الحكاية، و استحضار اللاحدث، أو مالا يمكن اعتباره حكاية. و الفيلم القصير، لا يمكنه الاستغناء عن صيغة من صيغ الحدث أو الحكاية القصيرة، كما أن صناعة الفيلم القصير بالمغرب، لم تبرز في السنين الأخيرة، و قد كانت هناك تجربة لخلق التوليفات الضرورية في رمضان السابق، شكلت حقيقة تقدما من خلال الثنائي حسن الفذ، و الممثلة دنيا بوطازوت ...و هي شبيهة بما كان يعرضه التلفزيون السوري و المعروف ببقعة ضوء، هي ربما التجربة المغربية التي بدت لي فيها طريقة متقدمة لاستفادة الفيلم القصير في صيغة حلقات، المترابطة كسلسلة دالة على تناقضات منسية افتراضية أو حتى واقعية.

 و بذلك بقي مشكل الترابط بين الفن السينمائي و الإبداع الروائي و القصصي قائما، و في جزئه الأكبر، هو مرتبط بإمكانات المخرجين وميولاتهم الأدبية، التي لم يولوها الاهتمام اللازم، كما حدث على الأقل بمصر، من خلال تجربة يوسف شاهين و غيره من المخرجين الذي صنعوا باختياراتهم، كتاب سيناريو. بينما في المغرب، نجد مفارقات غريبة، فالخيال الروائي و القصصي المغربي ينتزع اعتراف منتديات الآداب، بينما السينما المغربية، تكتفي باستعراض الواقعي لافتعال صراعات ضد القديم، أو تنحو لمنطق الفرجة المسرحي، لربح العيون المستهلكة، و الساخرة من واقعها بدون تمكينها من الوعي به لخلق متعة فنية، تسمح بتطوير الفن السينمائي، و تخرجه من رهان البحث عن التميز وفق منطق تهربي، يبرر العجز بضعف الإمكانات و الكل يعرف تلك الموجة التي ظهرت مع التراجيديا السورية، التي عملت على العودة للتاريخ الافتراضي، بما هو تمثل لقيم إنسانية بعيدة عن تراجيديا الديني في الفيلم المصري الديني التاريخي، بإمكانات متواضعة، لكنها كانت إبداعية في تجسيدها للتراجيديا الإنسانية بدون استحضار التاريخي الخاص.

3- المسرحية الأدبية و المسرحية الممثَّلة:

الوضع في هذه الحالة، ليس مربكا، من منطلق أن الأديب، بإمكانه كتابة

مسرحيات، تقرأ  كما تقرأ  أي قصة قصيرة، كما أن المخرجين في المجالات المسرحية، يبحثون، و يعلنون اهتمامهم بما يكتبه الأدباء من مسرحيات، و يحاولون جهدهم، الاستفادة مما تعرفه الساحة الأدبية من كتابات، كما أنهم ربما بفعل علاقاتهم بالكتاب في مجالات القصة و المسرح، صارت لهم اهتمامات أدبية و نقدية، عكس المخرجين السينمائيين و كتاب السيناريو.. لكن مشكلة المسرحيين تكمن في غياب مؤسسات داعمة للمسرح، كما هو الحال بالنسبة للسينما، إضافة إلى انقراض المسارح أو اقترابها من ذلك.

4- التشكيل و النقد الفني:

عرف التشكيليون تطويرا لمعرفتهم التاريخية بتطور فكر الصورة، وانخرطوا بذلك فيما يعرف بتاريخ الأفكار، دون أن ننكر وجود تجارب انطباعية، تحتكِم لمنطق الخبرات، و الصمت النقدي عما يقال حول الأعمال، و هنا يبدو أن الفن التشكيلي المغربي يتقدم مقارنة مع التجارب المشرقية، بفعل ظهور جيل جديد من التشكيليين، المهتمين بأصناف الفنون الأخرى الأدبية و حتى الفكرية و النقدية، و إصرارهم على متابعة الفكر النقدي التشكيلي الغربي، مع ظهور بعض النزوعات التي تحاول تأكيد خصوصيات الفن التشكيلي المغربي بغية إبعاده عن المنمذج الغربي، ليتطور بطريقته، و يخلق علاقاته الخاصة مع مختلف إبداعات الآداب، و قد بدا ذلك واضحا في وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تجد الصور التشكيلية كعتبات لقصائد شعرية و قصص، بها تحاول توظيف الفني أدبيا و ربما العكس أيضا.

خلاصات

هذه العلاقات بين الأدبي و الفني في المغرب، محكومة بتوترات سوسيوثقافية، ورهانات سياسية، فالمؤسسات الراعية للسينما المغربية، لا يمكنها التفريط في سلطة السينما باعتبارها صورة، و العالم عرف تحولات بفعل الصور، و قد انتبه السينمائيون القدامى لهذه الفكرة، إذ قال أحد حماة هوليود العالمية، إن من يسيطر على السينما، يمتلك أقوى وسيلة للتأثير في الجماهير.


 حميد المصباحي كاتب روائي


مجلة فن السرد/ زوايا

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد