فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

المجازي والشعري في قصص "وداعا أحلام الغد" I عبد النبي بزاز

مجلة فن السرد

 


المجازي والشعري في قصص "وداعا أحلام الغد"


ما يميز قصص " وداعا أحلام الغد " للقاصة المغربية سعيدة لقراري هو غناها على مستوى الموضوعات والأدوات السردية التي تضفي على المجموعة عمقا دلاليا، وتنوعا جماليا .

 فتتوزع بين ما هو اجتماعي ( فقر) ، وديني ... وعناصر من وصف، واسترجاع ، و "مونولوغ "، إلا أننا سنحاول في هذه القراءة الكشف عن ميزات الأسلوب القصصي وما يطبعه من نزعة مجازية وشعرية .

 فالجانب المجازي يطغى على جل نصوص المجموعة كما في نص " المرحوم " : " تشوبه غيوم تمطر دموعا وندما .. أغرقت الحصن الأسري شبه الدافئ في زخات من الغضب الحارقة .. " ص 13 ، بحيث تمطر الغيوم دموعا وندما تعبيرا عن حالة غم ، ووصف لصورة أسى تجرعت مرارتها أرملة رزئت في زوجها . وفي نعت للحيرة بالشراسة ، وتحالفها مع زمن ولى كبل جسدها ، وكبح جماح تفكيرها فغدت محاصرة جسديا وذهنيا : " حيرة شرسة تحالفت مع حبل ماض قيد جسدها وشل تفكيرها ... " ص 14 ،  صور مجازية لا تخلو من روعة وجمال : " يمشي رحلة الشتاء والصيف بين سهول الأوهام ، وجبال الأحلام ... " ص 14 ، ارتباط السهول بالأوهام تعبيرا عن مدى امتدادها في رحاب مترامية ؛ يسرح فيها الخيال ، يزهر الحلم ، ويتضاعف زخم الآمال ، فتتعدد النعوت ، وتتنوع الصفات كما في قصة ( نبض متآكل ) : " تتعرى من حزنها وتلبسك..." ص 52، فيتم التخلص من الحزن ، والتطهر من أدرانه للحلول في الآخر والانصهار بذاته استنفادا لرغبة عشق محموم يبدد رواسب الغم الرابض في قيعان الوجدان ، والمعشش داخل ألياف الذاكرة . وكذلك الطابع الشعري الذي يميز أسلوب المجموعة ، حيث نقرأ في نص ( المرحوم ) :" أدركت نادمة جليدا طال أحاسيسها .. " ص15، وهو تعبير بطابع شعري يتضمن تلميحا وإيحاء منفتحا على تعدد التأويلات والقراءات . ومن خلال عبارات حبلى بأوصاف وصور شعرية محفزة للخيال ، راسمة أبعادا للتأمل ، والإبحار في عوالم موسومة بثراء الخلق ، وتبدلات الإبداع : " يدثرها ذلك السراب من صقيع متربص بنبض ينتابها ، يشعرها بدفء غامض .. " ص 38، لتعقب طفرات عبارات يغدو فيها السراب رداء يحمل صفة الصقيع المتحول إلى دفء غامض في تأسيس لمفارقة قطباها الدفء والصقيع . مع انتقال لعناصر طبيعية كالشجر : " تختمر تحت أقدام شجرة متفسخة ، تشرئب من بين أضلعها غصنا مستبشرا... " ص 38 ،والسمك ، في سياق تشبيهي: " تريد ألا تكون سمكة كي لا تستطيع العيش خارج الماء أيضا!.." ص 38 بتعبير شعري دائم التغير والتبدل ، وهي عبارات تعج بها أغلب نصوص المجموعة كما في نص ( عبور ) : " تتجول في ملكوت الأحاسيس، تقتني أراجيح تصيبها بدوخة مد وجزر ، يأخذها الفرح من حصن الحزن ... بخطوات جزوعة مَنُوعة تقتفي أثر آمال شاردة وسط ركام .. " ص 39، أمام غزارة وتنوع ما يزخر به المتن القصصي من طابع مجازي وشعري لا يسعنا سوى أن نقر بصعوبة متابعة سياقه المُشَكَّل من فسيفساء مجازية وشعرية أكثر تنوعا وانفتاحا لذلك اقتصرنا على الإشارة لبعضها . وبالإضافة إلى الجانب المجازي والشعري فقد تضمنت قصص " وداعا أحلام الغد " موضوعات مثل الدين من خلال ما استلهمته من النص القرآني كما في قصة ( الرقص مع الغائب ) : " ترد التحية بأفضل منها ... " ص 49 ، مثل ما ورد في سورة ( النساء ) : " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " ، وفي : " تستنجد برياح لا شرقية ولاغربية لترحل بها بعيدا حيث تشاء ..!" ص 49 ، استيحاء من سورة (النور) في تحوير ل ( شجرة زيتونة لا شرقية ولاغربية )  ب ( رياح ).وموضوع الفقر وما يكشفه من هنات اجتماعية ، وحالات ضنك وعوز تتمرغ في حمأتها شرائح عريضة من المجتمع : " توجه نحو البيت ، جسدا متهالكا تلفه ثياب رثة ... وصل إلى ما يقال عنه بيتا تجاوزا ، جدران تئن من كثرة التشققات والصدع الذي لا يخلو منه كل ركن من أركانه. " ص 20، حيث تتجسد الأوضاع المزرية لفئة من مواطنين يعانون من خصاص مهول في متطلبات العيش الدنيا من سكن ومأكل وملبس كما هو حال الطفلة في المحطة: " رأت فتاة صغيرة تلفها ثياب رثة ، تنتعل حذاء مهترئا كثير الرقع ... نظراتها المتوسلة تفضح جوعا كبيرا ، وحرمانا أكبر. " ص 21  ، ومن شخوص قصص المجموعة التي كابدت ويلات الفقر ، وتبعاته المكلفة والمزرية نساء أبدين إرادة وعزما على الصبر والثبات رغم ما عانينه من ظروف قاسية وأوضاعا عسيرة كالخادمة نجمة ، وارحيمو صاحبة المطعم المتنقل ، وبشكل أفظع مريم العاملة التي دهستها ( البيكوب ) في مشهد مأساوي يعري اختلالات واقع متردي مأزوم . ووظفت القاصة كذلك " تيمة " التضاد في العديد من نصوص الأضمومة مثل نص ( نحو الشاطئ ) : " لنكون طرائد سائغة لشيطان رجيم أو محرابا وقورا لملاك رحيم .. " ص 36 ، وفي قصة ( عبور ) : " لن أنسحب من بدايتي وسأستعيد منك نهايتي .... تقتني أراجيح تصيبها بدوخة مد وجزر ، يأخذها الفرح من حصن الحزن ... " ص 39،ثنائيات ضدية ( شيطان / ملاك ، بداية / نهاية ، مد / جزر ، فرح / حزن ) تسهم في خلق تعابير بعمق في الدلالة وغنى في الصياغة مقرونة بصفات ( رجيم ، رحيم ) تثري الحقل الدلالي ، وتوسع آفاقه. كما مس التنويع السردي لغة المتن القصصي  التي جمعت بين المجاز: " تقرر إطالة جدائل أيامها ... " ص 52 ، والرومانسية : " يحمل وزر أمل مثقل بظلال فراشات طائشة تتأرجح بين نور حلم ينجو بنفسه خارج الممكن وظلمة تلثم بدرا تنصهر وجنتاه خجلا." ص 50 ، بالنهل من معين معجم رومانسي  ( ظلال ، فراشات ،نور ، حلم ، بدر ) ، وبتصوير أبهى في قصة ( غياب ) : " كالعادة وقفت على الشرفة ، تتأمل غروب شمس خجولة ، حجبتها غيوم تنذر بحلول غد مكفهر كئيب ، زقزقة أسراب طيور ضربت لنفسها موعدا لتروح وتقضي ليلها على أشجار الحديقة المجاورة ... " ص 11 ،في تصوير ، شفاف ،حالم ومعبر ل " بانوراما " غروب الشمس ، وأشكال الغيوم في السماء ، وزقزقة أسراب الطيور . والدارجة : " اللي فيها ما هناها " ص 15 ، ولغة أجنبية ( فرنسية ) : " من فرط استعمالها أكسسوارا " ص 38، و " لأستبدلها يوما بلَمْبات... " ص 41 ، وبما أن الكاتبة تحمل في حناياها وذهنها عشقا وشغفا عارما بالكتابة القصصية التي يلازمها هاجسها أينما حلت وارتحلت : " بعد إفراج مؤقت من قبضة الطبخ والغسيل ، تنفست الصعداء ...لتصل الرحم بجليسها القلم " ص 10 ، فلا تفتر استجابتها لإغرءات الكتابة ، وطقوس غوايتها في ركوبها  غمار تحد يروم التوفيق بين الواجبات المنزلية ورغبة الإبداع فتتحول إلى أمنية معلقة على أفق قادم يكتنفه غموض واستعصاء ليتحول إلى حلم ورجاء : " تمنت ممارسة طقوس جلستها في روضة غناء لكن ..( الله غالب ) " ص 10، هاجس الكتابة القصصية بالخصوص يتعقبها ، يخالجها ، يتلبسها : " قبل احتسائها الجرعة الأخيرة من نصها القصصي ... " ص 49 ، وللعناصر والأدوات القصصية حضور في متن المجموعة ك " المونولوغ " : " خا طبت نفسها بصوت مسموع ... " ص 10 ، أو : " تحدث نفسها بصوت مكتوم ... " ص 53 في انفتاح على الذات ومخاطبتها جهرا وسرا. والاسترجاع : " غارقة في سيل ذكرياته الجارفة ... " ص14 ،بالنبش في أضابير طفولة حافلة بوقائع تنضح دهشة وروعة : " طفولتي قررت اللجوء إليك ... أعيديني إلى نشوة ضحكاتي المتعالية ،إلى حضن جدتي وهي تؤرجح اندهاشي بحكاياتها ، إلى قطعة الطبشورة الصغيرة وأنا أرسم بها على الجدران ... إلى دمية ألبستها مختلف الأدوار..." ص 53  ، في استرجاع لمشاهد لم يخفت توهجها في الذاكرة والوجدان .

" وداعا أحلام الغد " قصص ترسم أشكال تجربة سردية تتمثل ،بحس جمالي، أدوات الحكي الأساسية، وتصهرها في بوتقة نمط كتابة ( قصة قصيرة ) بصيغ مجازية ، وأساليب شعرية أغنت نهجها القصصي بما أضفت عليه من ميزات جمالية ودلالية مما يستدعي قراءات متعددة لسبر أغوارها ، واكتشاف لآلئها ودررها. 

عبد النبي بزاز


ـ وداعا أحلام الغد ( قصص ) .

ــ القاصة : سعيدة لقراري.

ــ المطبعة : مطبعة مراكش /  مراكش2015 .


مجلة فن السرد/ قراءات ودراسات


عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد