فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

الملف 42: انتزاع من المستحيل | جمال امّاش

مجلة فن السرد


عندما أنهيت قراءة رواية "الملف42" للكاتب المغربي عبدالمجيد سباطة، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، لم يكن يهمني أمر الجائزة، لأن هذه مسألة قد ترتبط برهانات أخرى، وبمعايير المؤسسة التي تنظمها. وهذا شيء خارج عن اهتماماتي. كما لم يغرني ما كُتِبَ عنها، أو ما قاله الكاتب عنها في حوارات غير روائية.

ما كان يهمني، هو ما الجديد الذي قدمته الرواية إلى الرواية المغربية والعربية بشكل عام؟ ثم كيف يتبلور الوعي الروائي الجديد في متن العمل الروائي، وفي تفاصيله وفصوله؟

وإذا كانت بعض الأعمال تأخذك منذ بدايتها لتدخل في حوار مع شخوصها وثيماتها التي تقاربها، فإن الملف 42،  يجذبك إلى عالمها، وإلى أسئلتها التي يتشابك فيها السردي بالمعرفي، بعيدا كل البعد عن ميتافزيقا الرواية التاريخية، التي تتوسل بالتاريخ لتمرير موقف ما، أو تعبير عن إحباط سيرة ما في مواجهة صراع طبقي أو سلطوي. 

يأخذك الراوي إلى تهشيم مجموعة من القيم والطابوهات والعلامات المكرسة لعلاقات اجتماعية داخل الفئة الوسطى بالمغرب، وما يخترقها  من طموحات وقيم داخل الأسرة وفي العمل وفي الجامعة، وغيرها. كما أن العمل يهشم خطية السرد الذي دأبت عليه الرواية، وذلك باعتماد أفضية متنوعة: المغرب، روسيا والولايات المتحدة؛ وبحبكة رفيعة جدا، ودقيقة في تناولها وسردها  إلى درجة الانتباه إلى دقائق الأمور والتفاصيل، والارتباطات بين هذه الفضاءات وهذه الشخصيات؛ وبالتالي يعمل الراوي على إشراك المتلقي في ربط خيوط الرواية من البداية إلى النهاية، ومحاولة ضبط عقدتها اللامتناهية.

يظهر خارجيا وكأنها لعبة بوليسية تبحث عن خيوط الجريمة وتحقيقها، سواء في البحث عن مغتصب الخادمة بالرباط، إلى العملية الإرهابية بأحد مسارح روسيا، وفي قضية الزيوت المسمومة، إلى البحث عن حقيقة العلاقات الاجتماعية والثقافية بين كاتب الرواية ورواية أخرى داخلها "أحجية مغربية"، إلى درجة لن تفرق بين السارد أو الراوي أو الرواة.

وأنت تقرأ الرواية تجد عملا مختلفا عما ألفناه في الرواية التقليدية المبنية على السرد القديم، مثل ألف ليلة وليلة، وغيرها من النصوص التي تشدك بمتعة توالي الحكايات وحبكتها المعروفة، بل تجد اختيارا آخر، وجمالية أخرى في كتابة الرواية إلى درجة نقد الرواية السائدة، من خلال النصوص التي تتخللها، أو تقدم بها الفصول، بنفس مَتاهي بورخيسي، ينتصر لفكر الأدب والبحث عن كينونة شخصيات الرواية في صخبها وفوضويتها، بلغة منتقاة بدقة، وبعيدة عن النفَس التاريخي أو  الشعري الذي يخترق أغلب الأعمال الروائية، والتي تنتمي إلى ما هو متعارف عليه من أسماء مكرسة في المشهد السردي.

 والجميل حين يأتي عبدالمجيد سباطة من خارج حقل الأدب، من الهندسة، وبلغة العارف بمجاهيل الرواية العالمية، وبمختلف تحولاتها، وذلك بتجريب تقنياتها وتفوقه في بناء معمارها، ومعالجة ثيماتها، سواء الأسرة، أو المدينة أو البحث العلمي، أو في طرح قضايا ثقافات وهويات أخرى، تنتج نصا بعيدا عن الأيديولوجيا. والبحث في المُختلِف وغير المكتمل واللانهائي. ومقاربة إشكالات الراهن من حيث القيم والعمل السياسي والاجتماعي.

لقد استطاعت"الملف 42"بلغة واضحة أن تبرز  أغلب ما هو باطني في ثنايا العمل الروائي، من خلال تكتنيك الرسالة، والفيدباك، وغيرها من أدوات العمل السينمائي، وأن تقدم عملا ابداعيا متميزا يجنح بنا إلى كتابة روائية جديدة وعميقة، لا تستند إلى الفكرة فقط، ولكنها تحولها بحبكة مقنعة. قد تبقى غير مكتملة، ومليئة بعلامات الاستفهام، كما هو الواقع الذي تعالجه. كما أن العمل  الروائي، قد لا يتنبأ القارئ بنهايته. ولذلك عليه الشروع في إعادة كتابته. وبذلك تصبح الكتابة حسب موريس بلانشو هي حميمية قارئ لا يزال طي المستقبل!.


جمال اماش
الكاتب جمال امّاش


مجلة فن السرد/قراءات ودراسات 





عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد