نص مستلّ من الكتاب القصصي " عوالم شفافة"، 2019، للقاص المغربي أحمد شرقي
الرَّجُلُ الأَرْنَب
انتحينا جانبا واقتعدنا كرسيّين على مقربة من
الجمع، فصدره المُعتلّ لا يحتمل الأماكن الضيقة والعامرة بالناس.
ربت على كتفي بعد أن جلسنا:
_ تألمت كثيرا عند السقوط، لكن ما أفرحني عقِب التعثر هو مساعدتك لي
ومداراة وهني، غير ساخر من الموقف البهلواني الذي كان سيثير ضحك أي طفل في عمرك
أيها الرجل الصغير...ربما تخيَّلَ قشرة موز هي من كانت مسؤولة عن حادث التزحلق؛
كما يقع في الرسوم المتحركة.
انتشيت بكلماته وفي الآن نفسه، غمرني إحساس بالذنب؛ فأنا من طلب منه مرافقتي لحفلة المدرسة التي تبعد عن قريتنا بساعة من الزمن، لكني وددت أن يخرج من البيت، يرى الناس، ويلتقط هواءً جديدا، علّه ينسيه همّ المرض الذي يأكل منه كل يوم.
المشهد أمامي جعلني أحسّ كما لو أن مدير المدرسة قد أحضر كل شيء إلى
القرية: معدات الصوت الضخمة ومكبراته، المنصة، العمال، البهلوان...كأنه مهرجان
دولي وليس حفلة نهاية العام الدراسي، قالوا إن الممون الرسمي هو مرشح القرية
الجديد في الانتخابات الجديدة.
كان أقراني يلعبون ويتحلقون حول البهلوان؛ الرجل النشيط الذي يلبس أرنبا،
في حين، كان الكبار يتبادلون الحديث حول سخاوة الرجل العظيم (المرشح)؛ اللي فيه
الخير، وهم يتلذذون بما لذ وطاب من الحلوى والعصائر.
يدعوني أبي للاتحاق بالتلاميذ واللهو معهم، لكني أرفض بذريعة العياء الذي
تركته مسافة الطريق في جسدي؛ أما في دخيلة نفسي، كنت أجتنب فقط تركه وحيدا، فأزمة
الاختناق قد تفاجئه في أي وقت، وهو الذي يمتنع عن أخذ الأدوية التي وصفها له طبيب
المستوصف، يردد متعنتا كلما نصحته بابتلاعها:
_موت واحد
كان بصري منصبا على الرجل المقنّع في شكل أرنب، يرقص رفقة الأولاد، يطاردهم
ويطاردونه، يلمحني من بعيد فيجري إليّ وهم خلفه، يمسك يدي ويحاول أن يراقصني، لكن
الخجل من الوالد يخيّم عليّ فأمتنع، ثم يعود إلى المنصة خاوي الوفاض.
بدأ نشاط الأرنب يتضاءل، وضع يده على صدره، جثم على ركبتيه، ضغب من الألم، لم تفارق الابتسامة محياه، ولم يكثرت له لا الكبار ولا الصغار؛ ظنوا أنه يتظاهر بالموت وسط ضجيج أغاني الأطفال وضحكاتهم، التفتُّ إلى والدي لكي أنبهه للأمر، كان يلفِظ أنفاسه الأخيرة في صمت.
طـــــيــــف:
بَـــــرَاءَة
لَمَّا
تَعِبَ الأَرْنَبُ الْبَهْلَوَان، جَثَمَ عَلَى رُكْبَتَيْه، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى
صَدْرِه؛ كَانَ يَحْتَضِرُ بَيْنَمَا ضَحَكَاتُ الأَطْفَالِ مُتَوَاصِلَة.
مجلة فن السرد/ محاكاة
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن