فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

حَيَاةُ النِّسْيَان | الحسين آيت بها

 

مجلة فن السرد
جزيرة السماء/ آم سوڤاج L'île de ciel, Âme Sauvage


حيــاة النسيـــان

أنا رجل كثير النسيان، حياتي كانت صعبة، عشت أياما قاسية حولتني إلى إنسان وحيد لم يعد يحفل به أحد، ولم يهتم بأحد.

كانت الأيام تمر علي إلى أن وصلت إلى هذا العمر، الذي لم أعد فيه أقوى على مجابهته، فاستسلمت للنسيان والإهمال، منزويا وحيدا في ركن منزل أمي القديم، لم يعد لحياتي معنى، ولم يتذكرني أحد، حتى الناس في هذه البلدة تغيرت أحوالهم، ولم يعد أحدهم يسأل عني. كان سي الطيب يزورني بين الفينة والأخرى، ويحضر لي أحيانا الطعام مع أبنائه، لكن ذلك كان منذ مدة، وربما سمع صراعي مع القائد حول أرض لا تساوي ما تكبّده الإنسان من أجلها، من خسائر كانت نهايتها إراقة الدماء، وهو ما حدث منذ أسبوع، عندما قام أحدهم بغرس خنجر في جسد أخ عون كان قد منعه من تسييج إحدى البقع في الجبل، وكانت مشاجرتهما مأساوية انتهت بأن قُتل أحدهم، والٱخر دخل السجن وتمت محاكمته بجريرة عمله.

لا طعم للحياة التي تجعل من المرء مجرد ذكرى، تسحقه لتجعل منه ركاما، لم يجد المرء مع دوامتها إلا أن يكون قويا ويحارب الجميع، عله يظفر بما يسدّ حاجته.. منزل أمي الجديد لن يكون لأحد، ولن أتركهم يستولون عليه.

الجو في الخارج قاس وبارد، فشهرا يناير وفبراير من هذه السنة، يحملان معهما زمهرير برد قادم من قمم جبال كساها الثلج، وهكذا فالبلدة تعيش تحت وطأة برد لا مثيل له، وتحت رحمة جو ضبابي موحش لا حياة فيه.

هكذا وجدت نفسي مطروحا في هذا المكان، كأنني جندي انتهى للتو من عمل مرهق في صحراء بعيدة تتوغل في الفيافي، وقَدِم إلى خيمته ليستريح من تعب ظل يلازمه طيلة حياته، من خدمة إجبارية تلازمه ليل نهار، أشعر ببرودة رجلاي وهي تخرج عن مسار البطانية لتتحسس برودة للمكان، كل شيء بارد حتى المشاعر باردة،  مشاعر الناس التي لم أراها ولم أطّلع عليها بعد. قساوة المناخ حولت الإنسان هنا إلى كتوم قاس المشاعر، لا يحس بالآخرين.

تدفقت الذكريات وأنا أتملى الزقاق الطويل الذي ينتهي إلى جهة الحقول، تذكرت خلاله طفولتي في قريتي مسقط رأسي، هناك حيث رأيت النور لأول مرة، ولمحت دنيا جديدة بألوان سماوية وترابية وحياة جديدة بعيون طفولية بريئة، حياة بريئة لم يكدر صفوها شيء...

يتبع


الحسين آيت بها
المبدع الحسين آيت بها



مجلة فن السرد/ محاكاة





عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد