المبدع عبد القادر وساط |
في شقة صغيرة
عاد إلى شقته مع هبوط الليل.
لم يجد زوجته ولا أطفاله، لأنه لم يكن متزوجاً ولم يكن له أطفال.
الشقة غارقة في الظلام. الكهرباء مقطوعة منذ أسابيع.
ودَّ لو يشعل شمعة، لكنه ينسى دائما شراء الشمع. وعلى أية حال، فليس في الحي دكان واحد مفتوح.
لم يُهيئ وجبة العشاء لأنه لم يكن يشعر بالجوع. وحتى لو رغبَ في ذلك، فإنه لن يجدَ في شقته الصغيرة ما يحتاجه من لوازم الطبخ.
تحركَ كالعادة في مختلِفِ أرجاء الشقة، بعد أن تعودت عيناه تدريجيا على الظلام، ثم قرر أن يجلس قليلاً على الكنبة، ولم تكن هناك كنبة.
سمعَ صوتَ الرعد لكنه لم يَمض لإغلاق النافذة، لأنّ شقته بلا نوافذ. قرر أن ينام، فأخذ يتلمّسُ الطريقَ إلى سريره، وبما أنه لا يملك سريرا، فقد تمددَ على الأرضية الباردة.
بقي متمدداً يفكر في أمور شتى.
شعرَ فجأة بذلك الصداع الحاد الذي ينتابه بين حين وآخر. قال لنفسه: غدا أمضي لرؤية الطبيب، ثم تذكر أن العيادات كلها مغلقة وكذلك المستشفيات العمومية.
ولو حدَثَ أن اشتد عليه المرض وهو وحيد في شقته، فلن يأتي أحد للاطمئنان عليه. لا الأقارب ولا الأصدقاء ولا زملاء العمل، إذ ليس له أقارب ولا أصدقاء، وليس له عمل.
فإن هو فارق الدنيا، فسوف تتعفن جثته وتنبعث منها رائحة كريهة، وعندئذ يتصل الجيران بالشرطة. لكن الجيران اختفوا قبل أسابيع. لقد هربوا من منازلهم مذعورين، مثل باقي السكان. رجال الشرطة أيضا غادروا المدينة إلى وجهة مجهولة.
أما إذا بقي على قيد الحياة، فسوف يكون آخرَ الشهود على الأحداث الأليمة التي عاشتها المدينة.
إرسال تعليق