تنبُّؤات الأربعين
عمر الموريف
الكل يلهث وراء
المال... الشهرة... والخلود!
أصبحت الوسائط الاجتماعية أشبه بسوق بورصة تتنازع فيها مخالب الطمع والهوى والغباوة.. من يلجها بمكر لا يخرج منها خالي الوفاض.
" فلماذا لا أكون أنا واحدا منهم؟".
تساءل صابر وهو ينفث آخر نفسٍ من سيجارته المرعبة. ثم أضاف بعد قليل من التفكير:
ما المحتوى الذي
يمكنني تقديمه في هذه السوق السفيهة؟
سؤال آخر حمله
إلى حيث التأمل وغربلة العديد من الخيارات. وأخيرا اهتدى: ألا يحق لي أن أكون
عرّافاً؟ أليس ما يعشقه الناس هي الأكاذيب والأوهام؟
قرر إذاً أن ينشئ
صفحة للتنبؤات.. "كذب العرّافون ولو صدقوا". هكذا دشنها، أثثها، زينها،
وروّج لها كعروس تحملها الأكتاف إلى قدرها.
لا يفصل عن
البداية سوى خطوات بسيطة، فكّر، قدّر... ثم بدأ بالإخبار عن الخفايا... خفايا سن
الأربعين، حيث إحساس اليوم هو قدر الغد!:
"يا أهل
الأبراج كلها، كل الأجناس والألوان، إليكم تنبؤات برج اليوم، وهو برج استثنائي
يشملكم جميعا، من رحمِه ولدتم كلكم، فانتفت كل تواريخ الميلاد، وألغيت تصنيفات
الشهور والأعوام والدهور:
في الأربعين
يأتيك شعورُ دُنُوِّ الأجل!.. حينما تلمح طيفك على المرايا ينظر إليك، وتنظر إلى
جثتك محنطة في كفنٍ رمادي، وأحلامٌ موؤودة في خيبات الزمن. تشعر أنك ستغادر الحياة
مبكرا، فتستعجل اللحظة بكل سمٍّ ينخر دواخلك..أوله التدخين!.
في الأربعين
تتخيل جنازتك غير المهيبة، حيث نزرٌ من البكاء لدى من يُعزّك بلا مقابل: أمك
وأخواتك، الرجال لا يبكون!. وفي الجهة الأخرى اللامبالاة وكثيرٌ من الضحك واللهو
والنشوة... وبعد دفنك لن يحضر من اسمك إلا ما تربطه علاقة بإجراءات تحويل المنزل
والسيارة وما بقي من الرصيد البنكي إلى الأرملة، أما وإن كنت لا تملك أي منها، فلن
يكون اسمك حاضرا إلا في قلوب الحاقدين والشامتين والمستصغرين... وفي لب فؤاد من
ستترك في حياته فراغا مؤقتا سيملؤه الزمن والنسيان والخلفاء الآدميون من بعدك...
ثم... تكون نِسياً منسيا!.
في الأربعين تدرك
حجمك الحقيقي، فما تبقى لك من عمرٍ ستعيشه وحيدا، بصورة أو بأخرى... فلن تجد
بجانبك، أو حولك غير كتبك، ومحفظتك، وملابسك القديمة، وعلبة السجائر الغامقة،
ورائحة أمك الطيبة، و..نهر من الذكريات المحبطة والميتة!. سترتدُّ فردا كما كنتَ
وكما ستغدو...ستصبح ذكرى لا يتذكرها أحد!.
في الأربعين
ستعود انجازاتك، خصالك، مساعيك، جهودك... وكل شيء جميل فيك، مجرد واجب لم تقم به
على أتمّ وجه!، بل لم تقم به البتة، أو... أنت المذنب بإتيانك هذا الواجب!.
في الأربعين كل
مساوئك ستخلد بمداد من ذهب، ستعلق إكليلا على رقبتك... تحاسب عليها قبل أن تُعدم،
أو قبل أن يأتي القدر المحتوم بالمغادرة.. ستُعاقب بالهجران، والخذلان، ونكران
الجميل.
في الأربعين ستجد
الكثير قد تغير فيك، شكلك، روحك، ملامحك، هيئتك، هيبتك، عيناك، لون بشرتك وشعرك،
أحلامك أو ما تبقى منها، تفكيرك... كل شيء سيتغير...نحو الأسوأ!. ببساطة: خريطة
حياتك المستقبلية سيرسمها لك سن الأربعين ... والزمن بيننا!".
نشر صابر النبوءة
بعد إتمامها...شاركها الكثيرون من أمثاله، تلقفها المتشائمون، سخر منها
المتفائلون، لم يطلع عليها اللا مبالون..
في اليوم الموالي
صدرت في حقه مذكرة بإلقاء القبض عليه بتهمة الشعوذة.. اقتحموا بيته... وجدوه جثة
هامدة!!.
مجلـــة فــــن الســــرد
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن