|
د. صحر أنور |
الحياةُ مسرحٌ كبير، هذه الجملة كتبها شكسبير في أغلب أعماله كما قال: العالم كله مسرح، وليس الرجال والنساء كلهم إلا ممثلين، لكلٍ دخوله ولكلٍ خروجه، وبين الاثنين حياتنا، حيث نلعب عدة أدوار.
كتب شكسبير هذا الكلام في القرن السابع عشر، في عصر كان يُسمى بعصر القوطية، حيث عُرف المسرح الحديث بكواليسه و آلياته، كان المسرح في ذلك الوقت يُمثل صورة الحياة اليومية للإنسان، بينما لم يكن الشعراء القوطيون يقارنون الحياة بمسرح، كانوا يقارنوها بحلم.
كما كتب شكسبير أيضاً " نحن من القماشة التي صُنعت منها الأحلام، وحياتنا القصيرة مُحاطة بالنعاس...."، أما الشاعر الأسباني كالديرون دولا بارك الذي ولد عام 1600م، فقد كتب نصاً مسرحياً بعنوان "الحياة حلم" يقول فيه:
" ماهي الحياة؟ جنون..؟ ما الحياة؟ وهم، ظل، خيال، وللخير المُطلق قيمة بسيطة..".
كما هناك نص للحكيم الصيني القديم تشوانغ تسي " حلمت يومًا بأنني فراشة ، والآن لم أعد أعرف ما إذا كنت فراشة تحلم بأنها تشوانغ تسي أم تشوانغ تسي الذي يحلم بأنه فراشة".
منذ عدة قرون، يربط الفلاسفة والمفكرون والشعراء بين الحياة والحلم، يتساءلون ويعقدون المقارنات في محاولات لتفسير هذه العلاقة. فهل حقًا الحياة حلم له وقت محدد وبداية ونهاية؟ أم هي مسرح وكلٌ منّا له دوره ؟
عندما نحلم نعتقد بإننا نحيا حياةً حقيقية، فما الذي يجعل فهمنا للأموريختلف عنه في الصحو عن حالة الحلم؟ فما الذي يفصل بين الحياة والحلم، تساءل ديكارت " كيف يمكن لنا أن نتأكد من أن الحياة ليست حلماً؟"..
الحياة هي الهبه التي منحنا الله إياها، منُا من يشعر بها كحُلم، ومنّا من يراها رحلة كفاح، ومنّا من تمر حياته دون أن يشعر بها. مهما طالت فهي قصيرة، ولكن مايجعل للحياة معنى وقيمة هو الحب، فالحب يسكن قلب الحياة ينبض بها، هو قُرة عينها، لذلك، من يُحب يشعر أنه عاش آلاف السنين، قد تكون لحظة سعادة مع من نحب نحيا بها العمر وبذكراها.
فالعمرلحظة، والسعادة لحظات من العمر، كتب عباس محمود العقاد عن حساب سنوات العمر: " يكبر المرء بعدد الأيام التي يصمت فيها عما يؤلمه". قد تمضي أعمارنا نسأل: أكنا نستحق كل هذا الألم في الحياة أم أننا فرطنا في أحلامنا؟ نحن جميعاً روايات مكررة في الحياة قد رويت من قبل مرات عديدة بشخصيات مختلفة في أزمنة مختلفة، كلنا مرآة لمدى الحب بداخلنا، نسكبه مراراً وتكراراً بأوجه متعددة، يتدفق نور الحب خارج أرواحنا الهائمة بالكون، فعندما نحب تتحول أعيننا إلى مرايا لأرواحنا فنحيا به عدة حيوات، نعبر فيها من جسدٍ إلى آخر، قد تكون هذه الحيوات سابقة أو قادمة حييناها في أحلامنا، لذا دعونا نستمتع بحياتنا بكل مافيها، السعادة والحزن، النجاح والفشل، دع أحلامك تقود روحك، أسكب الحب أينما كنت، إزرع الأمل في ُظلمة اليأس، كُن دائمًا الشمعة التي تُضيء لمن حولها طريق الحياة كما قال الكاتب نيكوس كازانتا " لن يضر الشمعة شيئاً إذا أضاءت شمعة أخرى"... فما أجمل الحياة بالحب حتى لو كانت حُلماً، وما أروع أدوارنا على مسرحها.
مجلة فن السرد
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن