فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

يوم ليس كباقي الأيام | مريم الراشدي

مجلة فن السرد


#_مشاتل 

 يوم ليس كباقي الأيام

مطر غزير وغيم كثيف وأفق رمادي داكن، وبرد قارس يكتوي به كل من يلوذ بإحدى خيمات المخيمات، التي لا تتوفر على أدنى ملحقة تقيها تقلبات الطقس بين الفصول الأربعة، ولا عوازل، لا أرضية ولا مطرية. بين كل ذلك، تمشي عبير وصديقتها رشا قبل المغيب بحوالي نصف ساعة، والأيدي والأرجل ترتجف من شدة البرد، تبحثان عما سقط من الحطب الذي جاء به والديهما من الغابة المجاورة بعد الزوال. فجأة، رجّت الأرض من تحتهما، تزحلقتا، تدحرجتا وصارتا تريان أطفال مخيم اللاجئين وبعض أهلهم فوق رأسيهما وهما تصرخان وتستنجدان :

عبير : "إمّي ساعديني، دخليلك أمي، انا هوووون، آاااااه"

رشا، وصراخها يتداخل وما تقول عبير : عبيييييير، إلحقينيييي عبيييير، أنا علقانة ف هاي البركة، ثيابي مبَللين ". 

تسرع إليهما أمهات أخريات يحاولن إنقاذهما، فإذا بهن والجميع صار يجري في كل اتجاه، وصار الصراخ يتصاعد من داخل الخيمات ومن خارجها. صغارا وشيبا وشبابا، كلّهم يركضون في اتجاه الغابة. التقطت عبير ورشا نفسيهما مما وقعتا فيه وصارتا تبحثان عن أهليهما وتناديان بعلو صوتيهما.

عبير : رشا، شو للي حاصل، كأن الأرض بتهتز ولّا أنا غلطانة ؟! يا رب شو ها اليوم ؟! 

رشا : ايه والله عبير، أنا خايفة، شو نعمل ؟!

إحدى الأمهات تحثهما على الجري في اتجاه الغابة بصوت عال : اركضوا، اركضوا، الثلج راح يعملهاااااا. اركضوا ركْضْ !!! ع الغابة ! ع الغابة ! يلّا يلّا !!

أمسكت الصغيرتان يدا بيد وصارتا تسابقان الريح، ضاعت إحدى فردتي رشا في كومة ثلج غير صلب. ومع ذلك، أكملت عدوها مع عبير. توقفتا للحظة. قلباهما الصغيران لا يتحملان كل هذا. تنتبهان، الجميع يجري. وما إن استدارتا حتى رأتا أن ثلج الجهة الجبلية العليا عن يمين المخيم يتساقط .. انهيار ثلجي. افترقت أيديهما لتنطلقا كالسهم رغم كل المعيقات وكانت رشا أسرع، تسابق روحُها جسدَها، لم تعد تسمع مما يجري حولها إلا نبضات قلبها وصدى في جوفها : اركضي رشا، لا تموتي، اركضييي !اركضييي !! 

غابت الشمس ولا صوت لعبير في محيطها، توقفت، التفتت يمنة ويسرة : عبييييييير !!! وينك عبيييير ؟! استدارت وراءها ويا لَلهول : الانهيار الثلجي أتى على نصف المخيم. بياض السفح يعانق بياض القمة. بكاء وصراخ ونحيب، محاولات إنقاذ بائسة ودمع منهمر من عينيها. ولا عبير !! 

- رشا، رشا، قومي حبيبتي، شو هاد ؟! ليش بتبكي يا عمري ؟! 

- العاصفة الثلجية كملت بانهيار يا ماما، (ونوبة بكاء خانقة). 

- ربنا يلطف حبيبتي، في الفضائيات كلها قالوا إن الوضع مستقر والأرصاد الجوية بتتوقّع أن الأسبوع المقبل، الحرارة حترتفع شوي. ربنا يعين اللاجئين، يا رب.

- يا رب ماما، يا رب. والله عشت يوم بمنامي غير كل الأيام !! 


عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد