..ولكن، أن تغيبَ متعة المُغامرة! I رجاء بكريّة

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
نبذة عن المقال: نحن محتارون بين الورق والشّاشات الملونة. بين الفارة والرّصاص. بين الصّورة والمخيّلة. هل قرّرنا نظاما آخر لمبنى الرّواية الّتي تندرج تحت التّسمية رقميّ

 


مجلة فن السرد
المبدعة والناقدة رجاء بكريّة

في إطار إعدادنا لسلسلة ملفات قصد نشرها في موقعكم الأدبي والثقافي 'مجلة فن السرد"، وإيمانا منا براهنية موضوع "الإبداع الأدبي في عصر الرقمنة"، رغم التطرق له من قبل في العديد من المقالات والمنابر والمناسبات...تواصلنا مع مبدعين ونقاد وباحثين، وطرحنا عليهم  الأسئلة الآتية، بهدف توضيح المفاهيم، وتحديد بعض إشكاليات علاقة الإبداع الأدبي بالرقميات:

 أي تأثير لثورة الرقميات على الإبداع؟ هل يتعلق الأمر بعلاقة تكامل؟ أم تهديد وتنافر؟ هل من حضور للكتاب الإبداعي الالكتروني في المشهد الثقافي العربي؟ وهل سيعوّض الكتاب الورقي؟ ما تعريف الرواية الرقمية/التفاعلية؟ آليات البناء وحدود التلقي.


الناقدة والمبدعة الفلسطينية رجاء بكريّة:


سؤال يملكُ من جماليّات الطّرح بما يكفي كي يقلق المُتلقّي والسّائل معا. فمنذ غزتنا ثورة الرّقميّات ونحن في حالة ازدحام لا يحتمل، وغثاثة في برامجنا الّتي طَفِحَ كيلُها باللّقاءات عبر الشّاشة المُتحرّكة الّتي تنقلًنا لدول العالم ومدُنِها بيسر شديد ونحن في غرفنا الضيّقة أو الفضفاضة.

 كثافة السّاعات، اختزال اللّقاءات الحميميّة، انقضاض الأرقام النّاقصة على برامجنا، انحباس أرواحنا كلّها أصبحت مترادفات للهجوم الرّقميّ والشّاشات الملوّنة. لكن صدمة المواجهة مع الحدث لم يمنع الوسط الثّقافي من التقاطِ أنفاسِهِ على عجل وتجريب فكرة الاندساس الحَذِر في برامج الرّقميّات وأشكالها، بل والتأقلم لاحقا لتقنيّاتها ومحاولة تثويرها على النّحو الّذي يناسب كلّ أديب على حدة، وتنظيم فكريّ على حدة أيضا وفق منطلقات عالمِهِ الشّخصيّ. 

غير أنّ السّؤال لم ينتهِ والاجابات كذلك لم تكتمل، ذلك لأنّها ثورة لم تنتهِ بثوابت ضجّتها، بل تعدّتها لتجدّد مُربك في تجلّياتهِ، حتّى احترنا في ايجابيّات زُهُوِّهِ المُفاجىء. لقد كانت هذه الثّورة المباركة منجى لنا في جائحة كادت تُلغي تواصلنا بالحياة. لولاها لفقدنا جودة المعايير المندرجة تحت تسميات المتعة والشّغف مثلا.

 كانت عدوى الافة تفتكُ بقدرتنا على التّواصل وتنشرُ الرّهبة والخوف من العالم على نحو مرعب، كأنّنا تخيّلنا للحظة أنّ نفَسَ الشّخوص الّتي سنتواصل معها عبر الشّاشات ستنقل الينا فيروسات فتّاكة تخترق الزّجاج وتختبئ في ياقات أجسادنا.

 كلّ هذا حدث ونحن نحاول التّعايش مع صنوف الارتطام الرّقمى ودعاةِ مذاهبهِ. لكن وسط اقبالنا غير المسبوق أثناء جائحة كورونا ضُرِبنا بلوثة خطيرة فقدنا معها رائحة الورق، وأعني سيل القلب بين السّطور، تبعثر الرّوح في حروف.

 بقيت سطوة الورق أشدّ أثرا، رائحتهُ خصوصا. لم نعبر بسهولة، وبعد أن عبرنا بزخم وثقة بقي خيط رصاص طويل يلاحقنا الى كلّ مكان، فهناك التّجربة أعمق ثراء ووجدا وانتشاء. 

نعم جاوزنا الحداثة الرّقمية بجوارح تسمو للانتشار واختراق المسافات، حتّى المطالعة أصبحت في معظمها عبر الشّاشات الالكترونيّة. صحيح أنّ التّفاعل أبعد والتّداخل بالثّقافات والحضارات والأماكن بالغ الثّراء، عظيم الأثر، لكن تجربة الكتابة الرّقميّة أفقدتنا الكثير من رهف الحالة واستثنائها. 

نحن محتارون بين الورق والشّاشات الملونة. بين الفارة والرّصاص. بين الصّورة والمخيّلة. هل قرّرنا نظاما آخر لمبنى الرّواية الّتي تندرج تحت التّسمية رقميّة؟ لا أميل لدفعِ إجابة شافية حول الموضوع، كلّ ما في الأمر أنّ اليّات التّحرّش بالنّص اختلفت، والتقنيّات تبدّلت بما أنّ المساحة البيضاء جاهزة لاستقبال هواجسنا عبر صفحات انتشار اعدّت لنا سلفا دون جهد، نشدّ بها حبال الأصدقاء والشّخوص الّتي نحب.

 ما يقلقني فعلا ليس الثّورة الرّقميّة كتحدّ مُشرَع على التّجربة، ولكن أن تغيب متعة المغامرة في استحداث مؤثّر حسيّ يرهنُ القارىء للنّص بيسر وشوق.


مجلة فن السرد

ملفــــات

التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك تعليقك هنا

ليست هناك تعليقات
2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث