كيفية بناء تكامل معرفي بين العالم الافتراضي والواقعي I شهيدة العزوزي

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
نبذة عن المقال: الرواية الرقمية على الرغم من وجودها القوي، وحضورها الطاغي، إلا أنها كما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين؛ "تفقد مقاطع سردية وذلك من خلال تحويل اللغة والكلمات

 

مجلة فن السرد
الأستاذة الباحثة شهيدة العزوزي


في إطار إعدادنا لسلسلة ملفات قصد نشرها في موقعكم الأدبي والثقافي 'مجلة فن السرد"، وإيمانا منا براهنية موضوع "الإبداع الأدبي في عصر الرقمنة"، رغم التطرق له من قبل في العديد من المقالات والمنابر والمناسبات...تواصلنا مع مبدعين ونقاد وباحثين، وطرحنا عليهم  الأسئلة الآتية، بهدف توضيح المفاهيم، وتحديد بعض إشكاليات علاقة الإبداع الأدبي بالرقميات:

 أي تأثير لثورة الرقميات على الإبداع؟ هل يتعلق الأمر بعلاقة تكامل؟ أم تهديد وتنافر؟ هل من حضور للكتاب الإبداعي الالكتروني في المشهد الثقافي العربي؟ وهل سيعوّض الكتاب الورقي؟ ما تعريف الرواية الرقمية/التفاعلية؟ آليات البناء وحدود التلقي.


 شهيدة العزوزي، دكتورة باحثة في البلاغة وتحليل الخطاب:

 

الرواية الرقمية والواقع

كيفية بناء تكامل معرفي بين العالم الافتراضي والواقعي


طغت الثورة التكنولوجية على مختلف مجالات الحياة، من بينها الفن الأدبي الذي رغب رواده مسايرة العصر بكل تطوراته وتشعباته وتلاوينه، من أجل ذلك لاحظنا تغييرات جذرية في تحول الأدب من الواقع الورقي إلى الواقع الافتراضي، وقد رأينا جليا كيف حاول مخرجو الأعمال السينمائية لفت انتباه المتلقي لمجموعة من الروايات الرقمية المصورة ظنا منهم أنه يمكنها منافسة الكتاب أو تعويضه والاستغناء عنه؛ ولكن هل استحضر منتج الخطاب نوعية متلقي أعماله؟ هل فكر في كيفية بناء تكامل معرفي بين العالم الإفتراضي والواقعي؟

هي بعض الأسئلة وغيرها مما يدور في فكر كل من يمتلك ، ولو قليلا، من أفق انظار نقدي لما يمكن أن يشاهده في تلك الأعمال المصورة، ولا يجد إلا نادرا ما يرغب مشاهدته في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو الوسائط التي شكلت الثورة التكنولوجية في عمومها.

مع هذا الزخم الهائل الذي يحاول المخرج نقله إلى المتلقي عن طريق تحويله من النص الورقي إلى الواقع الالكتروني، نلاحظ عدم مراعاة لأفق المتلقين؛ إذ إن غالب الأعمال تخلو من الأفكار الهادفة، إلا نادرا؛ بدعوى أنها تصور الواقع، مما يجعلنا نشعر بالنفور إزاءها والبحث عن مبتغانا في ثنايا الأوراق والمكتبات، التي تحول بدورها دون تحقيق غاية استكشاف النصوص لظروف متنوعة منها:

-        غياب المكتبات عن بعض المدن أو عدم توفرها على الكتب المطلوبة من قبل القاريء.

-        ضيق الوقت بسبب الانشغال مما يدفعه إلى البحث عنها في المواقع الالكترونية ووسائل الإعلام لتقريب الصورة.

لذلك، ربما، نجد أن أغلب من يتابع الروايات الرقمية يملأ بها وقت فراغه فحسب، ولا يتفاعل معها نظرا لغياب تواصل بين الطرفين (المرسل والمستقبل). و"لا يمكن للنص أن يقيم وجوده الالكتروني بشكل تام إلا من خلال المتلقي التفاعلي الذي يسهم في عملية الابداع أو يشارك فيها بتفعيل الروابط"[1] المستدعاة من قبل طرفي العملية التواصلية.

والرواية الرقمية على الرغم من وجودها القوي، وحضورها الطاغي، إلا أنها كما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين؛ "تفقد مقاطع سردية وذلك من خلال تحويل اللغة والكلمات إلى أيقونات(صور وحركات وموسيقى)، كما أن عملية التحويل من النص المكتوب إلى العمل المرئي، تتم عبر مراحل مختلفة منها الخلاصة والمعالجة، ثم السيناريو وأخيرا التقطيع[2] ليتم إخراج العمل الأدبي بشكل متناسق، ومثيله في ذلك هو عملية إخراج العمل السينمائي، فالنص الرقمي يتماثل في اشتغاله مع النص الفيلمي[3].

نفهم من هذا الكلام أن الرواية الرقمية/ المصورة، وإن توافرت فإنها تغفل الكثير من العبارات والأحداث والأمكنة ولا تشفي غليل فضول المشاهد الذي يضع نصب عينيه أفق انتظار لا يريد أن يخيب في نهاية أي عمل سينمائي؛ والذي يراعي الزمن الذي سيقدم فيه هذا العرض، والمكان المناسب لعرضه، ومناسبته كذلك.

            في هذا الصدد، لا يمكننا إنكار إيجابيات الرواية الرقمية، وما وفرته الالكترونيات من تقريب المعرفة للمتلقي، بيد أن الكتاب الورقي له نكهته الخاصة؛ حيث يجعل المتلقي منتجا ثانيا للنص بتفاعله معه، من خلال تخييله الخاص للأحداث والزمان والمكان والشخصيات وتتبع تشويقه الفريد، وكذا التعامل معه بالتأويلات التي يمليها عليه رصيده المعرفي؛ حينها فقط يشعر المتلقي بالمتعة التي لا يمكن أن يوفرها له أي نص رقمي مصور من قبل مخيلة أخرى؛ إنه يحيا حياة أخرى بعيدة عن الالكترونيات؛ متذوقا إياها بكل جوارحه.

       إضافة إلى ذلك، فالروايات الرقمية تحول دون اكتساب المتلقي للأسلوب، واشتشراف التقنيات البلاغية والصرفية، والنحوية، وتوسيع رصيده المعرفي كما يتاح له الأمر عندما يستشرف الكتاب الورقي، ولعل أبرز مثال على ذلك حين نجد بعض المتطوعين على اليوتوب يحاولون تقديم الأعمال الأدبية وتقريبها للمتلقي، فنجد أغلبها صادرة عن غير ذوي الاختصاص تتوزع كلماتهم بين اللغة العامية التي تغزوها كلمات أجنبية فرنسية أو إنجليزية أو هما معا؛ ليخرج المشاهد خالي الوفاض إلا من بعض الشظايا؛ كأسماء الشخصيات والمكان والزمان وعناصر لا تسمن ولا تغني من جوع؛ مما يفقد النص الأدبي كينونته. وأمثلة ذلك كثير نذكر منها؛ النصوص الأدبية المقررة على سبيل المثال، والتي يحاول بعض المجتهدين تقديمها للمتعلم باللغة العامية بحجة عدم فهمه اللغة العربية؛ دون تفكير بما ينتظره عند حلول الاستحقاقات التي تنتظره.

لعل كل هذه الأمور تدفعنا إلى التفكير مليا في كيفية المزج بين العالمين الواقعي والافتراضي/ الالكتروني، لتحقيق التوازن بينهما بما يضمن لنا سلامة الفكر، والحفاظ على حواسنا من التلف الذي تسببه الأشعة بسبب الجلوس مع الوسائط الالكترونية لوقت طويل؛ وذلك عن طريق الانفتاح على الثقافات المختلفة والمستجدات عن طريق تلك الوسائط الالكترونية؛ ومحاولة استثمارها في الحصول على مجموعة المعارف التي سيتجه القارئ حتما إلى توفيرها ورقياً؛ وبهذا نستطيع خلق متلقين نوعيين يساهمون في نشر المعرفة بدل استهلاكها فقط.

 



[1] - نجوى منصوري، التجربة الروائية التفاعلية عند محمد سناجلة: بين التخييل الرقمي والتفكيك النصي " رواية ظلال العاشق" أنموذجا، مجلة الآداب واللغات، جامعة باتنة 1، الجزائر، العدد 11 جوان 2020، ص165.

[2] - مأخوذ عن بغداد أحمد بلية، الترجمة بين سيميائية الرواية- الفيلم، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر، 2008.

[3] - زكية مهنة، فاعلية الواصل التفاعلي في تشكل نسقية النص الرقمي رواية "شات" لمحمد سناجلة نموذجا، مجلة مخبر التأويل وتحليل الخطاب، جامعة عبد الرحمن ميرة، بجاية، العدد الأول، ماي 2020.

المراجع المعتمدة:

المراجع:

·       نجوى منصوري، التجربة الروائية التفاعلية عند محمد سناجلة: بين التخييل الرقمي والتفكيك النصي " رواية ظلال العاشق" أنموذجا،[1] - مأخوذ عن بغداد أحمد بلية، الترجمة بين سيميائية الرواية- الفيلم، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر، 2008.

المجلات:

·       مجلة الآداب واللغات، جامعة باتنة 1، الجزائر، العدد 11 جوان 2020، ص165.

·       مجلة مخبر التأويل وتحليل الخطاب، جامعة عبد الرحمن ميرة، بجاية، العدد الأول، ماي 2020.


مجلة فن السرد | ملفـــات

التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك تعليقك هنا

ليست هناك تعليقات
2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث