تمثلات تاريخ الرواية في المغرب I حميد المصباحي

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
نبذة عن المقال: حميد المصباحي حاضرا، من الصعب ادعاء تصنيفات نهائية رغم مؤشرات ازدياد النشاط النقدي حول الرواية، فهو يبدأ باحثا عن التأسيس التاريخي،

 

مجلة فن السرد
الروائي حميد المصباحي



تمثلات تاريخ الرواية في المغرب

 

غالبا ما يلجأ النقد المغربي، حين مقاربته للرواية في المغرب، إلى تحقيبات افتراضية، تنهل إما من التاريخ السياسي للمغرب، بحيث تجد الرواية في مرحلة الاستعمار، تليها الرواية بعد الاستقلال، مع بعض التمايزات فيما يخص الرواية السيرة أو رواية السجن، بحيث تبدو هذه التحقيبات تابعة لما هو سياسي كحدث و تاريخ، فإلى أي حد تخدم هذه التصنيفات الرواية في المغرب؟

أما في المرحلة الراهنة، فهناك تصنيف سابق لأوانه، يتحدث عن الرواية المغربية، و هو طموح أكثر منه واقع، و هنا نعتمد التصنيف المؤسس على تاريخ أروبا الأدبي، و هذا المنحى يخلق الكثير من الإحراجات هو الآخر، للرواية، و أزعم أنه يعرقل تطورها، و يجعل صيرورتها مرتبطة بغيرها من الإبداعات الروائية الخاصة بأروبا و كأننا جزء منها، تابع و ليس حتى مستقلا.


-1 التحقيب التاريخي:

كان دائما للفنون، و منها الأدب الروائي تاريخه الخاص، المتميز عن السياسي، بحيث أن تيمات الرواية، ليست مجرد صدى للسياسة، بل هي اختيار حر للروائي، أولا، و هو الذي يحدد كيفيات التفاعل مع محيطه و تاريخه،،و لا يمكن فهم صيرورة الرواية بأحداث المجتمعات و الدول مهما كانت قوة تأثيرها، بل يمكن أحيانا من خلال الروايات فهم أبعاد التاريخ السياسي و الاجتماعي، و إلا صار الأديب منفعلا و انعكاسا لتاريخ غير تاريخه الخاص، ينطبع به، فيغدو مجرد ظلال لحقائق أكثر عمقا مما يبدعه الروائي من روايات، و هو ما كنا نعيبه مشرقيا على تصنيفاته للشعر، بأبعاد دينية، كالقول بالشعر الجاهلي، بدل شعر ما قبل الإسلام، و الشعر الأموي ثم العباسي، فهل كانت لهذه الدول لغات خاصة بها، و هل خلقت شعرها الخاص، و في هذا السياق لمح كونديرا في كتابه فن الرواية، إلى أن تاريخ الرواية، هو تاريخ شكلها الفني، بما يعني أن المراحل لا تحدد إلا بناء على إضافات في شكل الرواية التعبيري، زمنا و شخوصا و حتى لغة، و هو ما كان كانط قد خص به الفنون جميعا بكونها، إبداعات أصيلة، و ليست استنساخات لواقع أو أشكال ظهرت في حضارات أخرى.


-2 التحقيب الأوروبي:

بدت اجتهادات أخرى، حاولت اعتماد تقسيمات أوروبية، مستمدة من الفكر الهيجلي،من خلال توصيف، الكلاسيكي و الحديث، و ذهبت حد الحديث عن الرواية الذاتية، تمييزا لها عن الروايات الواقعية التي ظهرت في مغرب الحماية و ما بعدها، أي ما عرف برواية سيرة السجن، أو رواية الطابو، مثل الخبز الحافي لمحمد شكري، و الملاحظ أن التصنيفات لا تنطلق وفق آليات هذا التحقيب ،على القراءات الباحثة عن الجديد في الشكل، لإبرازه و الكشف عن جدته، و إن فعلت تسمي ذلك بالاستفادة من المدارس الحديثة في السرد الروائي، ليصير الروائي المغربي و كأنه مجرد باحث عن نموذج و مطبق له بفنية، تختزل في مدى قدرته على إخفاء النماذج التي استفاد منها، أو إضافة بعض التعديلات البسيطة، مع أن الرواية تتسع لكل خيال، و هي مفتوحة لإضافات لا محدودة، من حيث اللعة و التصورات و طبيعة الشخوص، بل حتى لحذف الشخوص، و أقدم بعض الأمثلة، ظهرت رواية التحقيقات التاريخية، عملت الرواية الأوربية على مستويين، كشف وجوه جديدة في التاريخ الأوربية الذي طمرها، و تجاهلها، بدوافع متعددة، فنهلت الرواية من تاريخي سري، قديم أو حديث، و هي عملية بدأت في القرن 18 عشر مع كتابة توثيقية غريبة في كتابتها، كان عنوانها  تطورا، و نسيت، فعادت بعض الأقلام لها، و لأن الغرب لا يعرف لدينا إلا ابن خلدون و ابن رشد، كانت هذه مناسبة، لاستحضار ابن خلدون روائيا، و مستقبلا ابن رشد، و أيضا بعض الشخصيات الغربية المشهورة.


-3 رهانات التحقيب:

عادة ما ينشد الروائي التميز، باختلافه عن السائد، معتقدا أن الأخير، أي الحديث أكثر فعالية و حضورا، و كأن الجدة غاية في ذاتها، فأن تكتب رواية جميلة، معناه أن تعتمد آخر آليات الكتابة الروائية، مع أن هذه القصدية، تحول الإبداع الأدبي، إلى حرفة،،تنتج تحت طلب الموضة، ربما طمعا في الترجمة، أو إرضاء للنقد المغربي، الذي لا يجيد بسبب عدته إلا ما نسج على منوال الرواية الغربية، ناسيا، أن المدارس النقدية هناك، كانت مسبوقة بالإبداع الروائي، و قد تأسست بالاستفادة منه، و ظهرت كنظريات لتسعف في فهم العمل الفني، و ليس كما يتصور مبدعونا و نقادنا، أي أسبقية النقد و سلطته على السرد الروائي، فعلى الروائي بتكراره للنماذج في اللغات الأخرى، أن يثبت فعالية النظريات النقدية، التي سوف تكشف عن أبعاد سبق الكشف عنها في لغات أخرى، و بذلك فقد وضعت التحقيبات لتسهل عمليات التصنيف، و هنا يطرح مشكل آخر، و هو حصر الرواية كعمل متعالي على غير المختصين، فعالمنا تنقصه القطائع التي عاشتها أروبا ذهنيا قبل أن تعيشها فنا و أدبا، فكانت إبداعاتها الروائية حافزا إضافيا للقطع مع عالم و الانتقال إلى آخر، و هنا أريد أن أضيف أن فكرة، ضرورة التفاعل مع الجديد، هي قاعدة صحيحة، لكن في مجالات العلم و التكنولوجيا، أما الفنون و منها الرواية، فلها زمنها الخاص فيما نسميه بالتطور، و خصوصا في المغرب، فالرواية في المغرب، تتجاذبها قوى و مؤثرات عدة، فهي تشترك مع الشرق العربي في اللغة، و لا تريد منافسته بها، و تحاول اقتباس الجديد أوروبيا، متجاهلة الرواية الأفريقية و متعالية عليها، و نافرة من الإيرانية و متجاهلة للتركية، مما ينعكس على اختيارات الروائي المغربي، و يفرض عليه أحيانا الهروب من هذه التجاذبات نحو اختيار آخر، و هو التجريب.


 -4 رهان التجريب:

هو مهرب من التجاذبات السابقة، ليست له اختيارات واضحة، فهو يعتبر نفسه خارج التصنيف، إنها كتابة قلقة، تطلع بحذر على النقد الأدبي، أوتتجاهله، تعتبر الكتابة الروائية، بداية غير متحكم فيها، يزرع الروائي النبتة بدون غايات مسبقة، و ينتظر كيف تنشأ، يسمح لتوتراته بالتعبير عن نفسها أدبيا، ليجد متعته، و يسعى لأن يتقاسمها مع القراء، بدون مبالغة في ادعاء حكمة الصعوبة أو افتعالها، بخلق ضبابية متعمدة، غايتها إكساب العمل الروائي، تعددية تأويلية، تنتقل من تيمة إلى أخرى بدون حرج أو توجس من النقد المغربي، تحاول خرق قواعد الكتابة الروائية بدون التصريح بذلك، لتجد نفسها تضع قواعد لكيفيات الاختراق، فتنتقل بذلك من التجريب، إلى تعمد التجريب، بحثا عن صدفة تقود لاكتشاف جديد في مجال الكتابة الروائية، و هو مالا يمكن توقعه، في سياق غياب تيارات روائية، واضحة الحدود، التي تتطلب تراكمات تاريخية، و مقاربات جدية للحقل الروائي بالمغرب.


خلاصات

حاضرا، من الصعب ادعاء تصنيفات نهائية رغم مؤشرات ازدياد النشاط النقدي حول الرواية، فهو يبدأ باحثا عن التأسيس التاريخي، وبعد استنفاد دوره بحثا وافتراضا، انتقل لتصنيف تاريخي يمهد به لأشكال انتقالية، مثبتة لتطور تصاعدي، كتقليد لنظريات التطور، التي سادت منذ القرن 19، وما تزال سارية حتى اليوم، لكن المفارق، أن الأعمال التي اعتبرت بداية، لها جاذبيتها الخاصة بفعل عدم تحول الواقع تحولا ينعكس بشكل عميق على آليات الكتابة الروائية، مقارنة بما يعرفه النقد الروائي في الغرب من تحولات، عاصفة وجذرية.


الروائي حميد المصباحي

مجلة فن السرد

التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك تعليقك هنا

ليست هناك تعليقات
2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث