الغجرية، لوحة للفنان حسن عين الحياة 30/40 سم بأقلام الشمع (الباستيل) |
لقاءٌ مع نصف وجه
موشومٌ قلبي منذ مولدي بصورة وجهٍ لرجلٍ لا أعرفه، نصف الوجه ظاهرٌ، والآخر مُغطى بحجابٍ من الغيب.
نصف وجهٍ ونصف جبينٍ وعينٍ واحدةٍ و نصف شفتين، أنصافٌ كانت تحيا داخلي لا أعرف لمن ؟ ولماذا ؟ تحتلني، تُسيِّرنِي على هواها، والأغرب أنني كنت لها مطيعةً وبها أكون واحدا مكتملا. نصف وجهٍ يُطلُّ عليَّ كل لحظة، يُشاركُني أنفاسي، يحيا على نبض قلبي، بوجداني مالكًا الشغاف توأم روحي، شبيهي في كل شيء، نحكي معًا، أشتاق لمسه، دومًا أسأله : من أنتَ؟ أين أنتَ ؟ لا رد أسمع ولا اكتمال للصورة أرى.
لم أبحث عنه بل أسير به، يلازمني وأنا في قلبه، دومًا كنت على يقينٍ أن لكلٍّ مِنَّا نِصفهُ الآخر، وأنه حتمًا سيلقاهُ يومًا ما عندما تقوده الروح إليه.
في يوم كانت المصادفة ، بل المصادقة أو المطابقة ،أو الفرح أو السعادة، سمِّها كما تشاء، رأيتهُ ، قادتني روحي والتي أمرها من أمر ربي إليه، أخذتني معه إلى أقصى نقطة في العشق، أقصى نقطة للشوق، صارت دقات قلبي أعلى من نغمات أوركسترا كامل من "الجاز"، يسمعها القاصي والداني، لأول مرة بعد سنوات عمري الطويلة أشعر أنني التقيتُ وروحي . رأيته، اكتملت الصورة داخلي، يتحدث من دون أن يدري ما بي من وجد، الوجه الكامن بقلبي تكتمل ملامحه بعد أن تجلى نصفه الغامض وانكشف.
أدركتُ منذ اللحظة الأولى أنه مكتوب لي، تَحدثَ كثيرًا يحكي ما يراودني، كل كلمة تلهث خلف الأخرى تسعى إلى شرف تقبيله، يسري بين وجداني، أنصتُ بعينيَّ ، روحي لا تتبع روحه بل تخترقها، أحاول أن أملأ كياني من ذاتهِ، أملأ عيني من ملامحه ووجهه وعينيه حتى خصلات شعره.
تتجلى الصورة في قلبي، أيقنت أنه هو. ماذا أفعل ؟ وقعت في حيرةٍ أخذتني من حيرةٍ إلى حيرةٍ ، ومن وجدٍ إلى وجدٍ، ومن لهفةٍ إلى لهفةٍ. رجلٌ استثنائي، سرقني منِّي ولم أقاوم، يسري في وجداني، عينان عميقتان تميمة ضياء تشع نورا وبهاء، صافحني..ارتجف كياني، ورقدت يديَّ بين يديه من حنانهما كطفلٍ نائمٍ في حضن أمهِ، شفتاه ترعدان دفئًا، تجيدان فن إشعال القُبل، يتحدثُ ومع كل حرفٍ يخرج من بينهما يُذوبُني كقطعة سكر، كُلُّ مافيَّ يعشق الآن ، تمنيتُ أن يضمني لصدره، أختبئ بين ضلوعه، أسبح في عينيه بعيدًا.
ألبسني العشق ثوب الطفلة، ببراءة أتحدث، تتعلثم حروفي مع الخجل ، ألهو بين ضلوعه، ألتهم الحلوى من ابتسامتهِ، أغني، أطير مع اليمام فوق الأغصان، أعلو إلى سحاب جبينهِ، أتساقط .. أتساقط عليه ياسمينا وفلا وجوري، أي أنثى أنا ؟
لا أدري كم من الوقت مرّ، كم مرة أشرقت الشمس وغابت، كم مرة ضمنا القمر مكتملا، شربنا كم غيمة من السعادة، كم قصيدة كتبنا، كم ربيعا أزهر فيه ورد القرنفل، كم نجمة هربت من السماء لتسكن في أعيننا، كم سحابة أمطرت غرامًا، كم كونًا دندن معنا أغنيات الغرام. كم أعمارًا عشناها معًا، صرنا عاشقين أثيرين هائمين في عالم الروح لا لون لهما ولا كثافة.
كلٌّ منَّا يبحث عن الآخر في عينيه، نسأل في صمت هل نحن معًا حقيقة أم خيالا، سيل من الأسئلة الصامتة واللهفة الحائرة ، ابتسمَ، ضم يديَّ بين كفيهِ ، سَلمتُ له واستسلمتْ، قَبَّلهَا، تحولت كل الأماكن حولنا إلى" أحضان" تضمنا بعد أن بعثرتنا القُبلة، وهو يقول :نعم أنا هو وأنتِ هي.
مجلة فن السرد/ مشاتل
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن