قصة قصيرة: الحيوان الذي كنته في الحلم
يوم أمس استلمت رسالةً الكترونية في مكتبي بالشركة، فتحتها فقرأتُ أنّ عليّ الحضور لأستماع محاضرةِ عن كيفية رسم خريطة العقل، وتحديد المسارات من أجل حياة سعيدة وموظف سعيد. كانت الرسالة من الإدارة العليا، بمعنى أنّ الحضور إلزامي، خاصة أن المدير التنفيذي للشركة هو المحاضر!
ولأني أفقد تركيزي في المحاضرات المحشوة بالكلام النظري المثالي، فقد أنفصلتُ عن أجواء المحاضرة بعد عشر دقائق من بدايتها، رغم حضوري الجسدي وابتسامتي المزيفة التي أحرص عليها في مثل هذه المناسبات، ولم أشعر بما يجري حتى أخبرني منظف القاعة بأنّ عليّ المغادرة كما فعل الأخرون قبل ساعة بعد انتهاء المحاضرة. كانت ساعتي تشير إلى أنني في القاعة منذ ثلاث ساعات وأنّ دوامي اليومي قد أنتهى.
بعد عشاء خفيف كانت سهرتي مع مشاهدة مباراة في كرة القدم بين فريقين لا أحبهما، ولا أريد فوز أحدهما، لكني تابعتُ المباراة حتى صافرة النهاية لأنّ النتيجة تهم فريقي. أنتهتْ المباراة بفوز الفريق الذي لا أحبّه على الفريق الذي لا أحبّه بنتيجةٍ كبيرةٍ، فنمتُ وأنا في مزاجٍ متعكرٍ جداً على غير العادة، حيث من عادتي اليومية النوم بمزاج متعكر فقط!
استيقظتُ بعد خمسِ ساعاتٍ من منتصف الليل، وضعتُ قدمي الحافية على بلاط الغرفة، وأسرعتُ إلى الحمام لأفرغ مثانتي، شاهدتُ على المرآةِ الكبيرة في الحمام ابتسامةً هي غير تلك الابتسامة المزيفة في المحاضرة، وقفتُ في دهشةٍ لم أفقْ منها إلا مع قطراتِ بولٍ بللتْ فخذي العاري.
استمرتْ الابتسامةُ طوال حلاقتي لذقني، أحاولُ معرفة ماذا يجري.. أجهدُ نفسي في البحث عن السبب. قد يكون هو الحلم في ساعات نومي، كنتُ فيه حيواناً، لم أشاهد نفسي في أي جزء في ذلك الحلم لكني شعرتُ بأنّي أشاهدُ الأخرين بعيون حيوان، أحاولُ الآن أنْ أتذكر الحيوان الذي كنتُه لكي تستمر ابتسامتي، غير أني دوماً أنسى تفاصيل أحلامي حين أغادر الفراش، حيث تتفرغ كهربائية ذاكرة الحلم بملامسة قدمي الحافية أرضية الغرفة.
لا أريد الذهاب إلى مكتبي اليوم؛ حتى لا أسمع تعليقاتِ زملائي الذين يحبون الفريقين الذي شاهدتُ مباراتهما في السهرة، سأخصصُ وقتي لمعرفة جواب سؤال يحتل الآن رأسي وتفكيري: ما الحيوان الذي كنتُه في الحلم؟
أفتحُ التلفزيون على قناة متخصصة في عالم الحيوانات لعلي سأتذكر.. تمضي ساعتان من حلقات متسلسلة عن الأسود والأفيال والقرود وحتى عن رقصات الطيور في مواسم الزواج.. ليس فيها أي شيء يربطني بالحلم، أغير القناة إلى عالم البحار وأشاهد رقصة دلافين مبتهجة تحت سماء صافية، وحوتاً سعيدا مع صغيره، ودليله تلك النافورة العملاقة التي نفثها من ظهره، أشاهد أسماكاً ملونة في شعابٍ مرجانيةٍ وحركاتٍ مدهشةً لقناديل البحر، كلّها لا تربطني بالحلم الذي حلمته.
مضتْ ساعات واقترب نهاري من منتصفه، في كلّ مرة أدخل الحمام أشاهدُ الابتسامة التي شاهدتها عند الفجر، وتزداد حيرتي، أقطع تذكرة بإستخدام تطبيق على موبايلي لزيارة حديقة الحيوانات في المدينة، ربما هناك سأجد الجواب.
دخلتُ الحديقة، أشاهدُ الأقفاص، لا أشعر بأرتباطٍ مع أي حيوان هنا. أغادرُ عند الغروب والحيرة تكبر. أفتح التلفزيون على قناتي المفضلة، الشاشة تعرض الآن تقريراً تلفزيونياً عن تحديد مسارات الحياة لتحقيق الأهداف.. التقرير هو الحلمُ نفسُه الذي حلمتُه الليلة الفائتة، التفاصيلُ نفسُها..أراها بكل وضوح، أراها بنفس عيون الحيوان الذي كنته في الحلم... أضحك الآن ضحكات هي صوت حيوان ما سأبحث عنه في الغد.
برهان المفتي
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن