المبدع كريم حموتي |
بداية نهنئك بفوزك بمسابقة المهرجان العربي للقصة القصيرة بالصويرة، الدورة 9 الخاصة بطلبة المغرب
من هو كريم حموتي؟ عرفنا بنفسك
أستهِلُّ كلامي
بالشكر الجزيل للجنة التحكيم وكل الطاقم الكالِف بهذه المسابقة النَّيِّرة، وكذلك
أستاذتي المُلهِمة ليلى مهيرة ولكم أستاذي المبدع أحمد شرقي، فجزاكم الله عن كل
مُبتدئ مُستأنِفٍ شادٍ مُحِبٍّ للقلم خير الجزاء، فأنتم ومن هو على هِمَّتِكم بعد
الله عز وجلّ الوَزَرَ والسَّند لكلّ طامِحٍ آمِل، أما عن سؤالكم الأول أستاذي
الفاضل من هو كريم حموتي فأقول مُستعينا بالله :
كريمٌ هذا مغربيٌّ
أكاديرِيٌّ إنزكانِيٌّ سوسيٌّ رَسموكِيٌّ، شابٌ حِرفيٌ كان أول أمرِه قد احترَفَ
حرفة صيانة السيارات في ميكانيكيَّتِها، إلا أنه وحين وجد عِلَّة في ظهر بدنه ولم
يَعُد يُطاوِعهُ أن يحمل له الثَّقيلِ من القطع، ارتَكَنَ إلى أن يتخَصَّصَ في
إصلاح مُكيِّفاتها وكل ما يخُص آليَّة تَبريدها وما ينتابها من أعطالٍ وتسريبات،
وهذه التي مازال يتسبَّبُ منها لقوت يومه إلى السّاعة، وكان أول عهده بتعَلُّم هذا
الدَّأب من التَّكَسُّب صيف سنة 2009 م، حين غادر مقعد الدراسة في مستواه الثالثة
إعدادي، لأسبابٍ كانت أقوى من يده الناعمة الطرية يوم ذاك، ومذ تلك السنة إلى سنة
2019 م، ما زال خرَّاجا وَلَّاجا في سوق الوَرَشات، يُغَيِّرُ صاحب ورشةٍ بخيلٍ
تعلَّمَ منه إلى صاحب ورشة بخيلٍ سيتعلَّم منه، وبدَّلَ في سبيل ذلك مدينته، وبات
في غير بيت أهله، وعاشَرَ أُناسا غير ناسِه، حتى أعياهُ التَّغَرُّب والطَّرقُ عاد
حيثُ كان أول مرة، مُقِرّاً في نفسِه " بخلاء مدينتي أخيَرُ من بخلاء المُدُن"
كان كريمٌ هذا كل هذا الزمان في لونٍ من العيش لو حُدِّثَ فيه أنه لم يعُد في
الدنيا شيء إلا المِسمارَ والبُرغِيّ والمِفَكِّ والكَمَّاشة.. لصَدَّق، فكيف
يُصدِّق بوجود شيء اسمه الأدب، فهذا كريم حموتي سيدي أحمد
_ كيف ولجت عالم الكتابة؟
ولأنّ كل حِرفيٍّ
قُحٍ أصيل، ممَّن يمتهن من تلك الشؤون التي تُلصَقُ فيها الحديدة بالحديدة فتُقضى
بها حوائج الناس، لابد أن يجد في سوق الخردة والمُهمَل من الأغراض سلوى قلبه، أو
بُغيةَ جيبِه، أو حاجة نفسِه، أو على الأقل.. كذلك كنتُ، فزد عليهم قبل ذلك أني كنت
ذلك الطفل الذي إن تعطَّلَت لهم آلة غَرَضٍ في البيت لا تهدأ له نفسٌ حتى يفتحها
شظيةٌ شظية، ثم يجمعها كما كانت بدُربة وإتقان، فيُذهَب بها بعد ذلك إلى سلَّة
المُهملات بعد أن كانت سيُذهب بها إلى الصائن فتُصلَح، أو إذا حصل لهم عُطلٌ في
كهرباء، فلا يُستدعى الكهربائي، بل لا تهدأ له نفسٌ حتى يُصعَق بالكهرباء، ثم
يُستدعى بعد ذلك الكهربائي، أما إذا كان صنبورٌ في إغلاقه يدمَع دمعة أو دمعتين،
فإن ذلك الطفل ما يزال به حتى ينقطِعَ منه ذلك الدّمع، فيُبَدَّل بشلالٍ مُنهَمِر،
فيَفزَعُ إليه السَّباك ليقتلع الماسورة من أصلها لتُلحَم، ولأني كنت ذلك الطفل
حين كنت طفلا، فإني صرتُ ذلك الشاب المُتعلِّق بسوق الخردة بإنزكان بعد أن صرت
حرفيا، ذلك السوق الذي ليس ببعيد عن بيت أهلي، كنت فيه كذلك الذي يملأ منه حقيبة
نفسِه أكثر مما يملأ منه حقيبة يده، أحوصُهُ بعيني وأنا على قدماي في الأرض بعينِ
الصَّقر وهو على أجنحته في السماء، ما أن أرى شيئا يؤمَلُ فيه الدرهم بعد إصلاحه
أو تنظيفه أو تجديده.. إلا اقتَنَصتُه، حتى صار مُروقي إلى سوق الخردة ـ لافيراي ـ
كصلاة سادسة في يومي.. لابدَّ أن تُقضى، أما عالم الأدب.. وعالم الكتابة.. فيشهَدُ
ربي أنه هو كذلك الذي فتحه لي.. وأدخلني إليه، أي سوق الخُردة.
ذلك أني في يوم
أحَدٍ من صيف سنة 2019م، لم أكن أتجَّوَّلُ فيه إلا مثل ذلك التَّجَوُّل الذي
ألِفتُ أن أتجَوَّلَهُ فيه، لم أخصُصْ جولة ذلك اليوم بشيء، إلا أنني حينما وصلتُ
حَوْزة خُردة خرَّادٍ منهم المُفرَّشة أرضا، وبِتُّ أبسُطُ عليها تلك النظرات
المُستنبِطة المُستنطِقة، استلفَتَني أن قِطعهِ البالية المَعروضة قد عُلِيَتْ من
ثلاثة كتب، وكأني جُذِبتُ إلى تلك المُفارقة، إلا أن الذي استقطَبَني كل الاستقطاب
هي صورة ذلك الرجل المُصوَّر في أغلفة تلك الكتب الثلاثة، والذي استدناني في تلك
الصورة واستحوذ على ألحاظي هو شاربه المُمَيَّز، المَفتولُ العريض المُعتَنى به،
المُعَقرَبُ من الطَّرفيْن، المُسَنَّنُ من العَقِبَين، والذي أخذ من تحت أنفه
مثلما تأخذه قرون الأيل من فوق رأسه، فانحنيتُ ثم ضممتُ أحد الكتب إليَّ، فقلتُ
مُحدِّثا نفسي " لابد أنه ممثل مصري.. فهكذا أراهم في تلك الأفلام التي أحب
" فاقتنيتُ الكتاب إكراما لشاربه
الجذاب.. وحبي لأفلام مصر.
وإنَّ الكتاب بعد ذلك حيث وضعتُه في غرفتي حتى
أذِنَ الله أن أتذكَّرَه، فلما تفحَّصتُ اسم صاحبه.. قرأت " مصطفى لطفي
المنفلوطي..كتاب النظرات..الجزء الأول" فأفرَدتُ صفحات الكتاب على يديَّ
علَّني أجد صورا أخرى لصاحب الشارب العجيب، فلما يئستُ.. عُدتُ أقرأ الحروف من
الصفحة الأولى، ويعلم الله أني إلى الساعة، لم أعلم أكانت لي حاسة تذوُّقٍ بغير
تَسَبُّبٍ ولا استِجلاب أودَعَها الله صدري لأفسِّرَ بها انصهاري في حروف ذلكم
الرجل، أو أنها انبثقت من نفسي مع أول حرف من حروفه، يعلم ربي أني ما فتحتُ والله
ذلك الكتاب أول مرة إلا فضولا من هو ذلك الرجل المفتولِ الشارب، بعد أن كنت جاهلا
به وبأدب لغته، حتى وجدتُ نفسي من أول صفحاته ـ والله ـ أنظُر إلى الحياة وأنا
داخل كتابه وحروفه كذلك الفضول والاستِنكار والتَّعَجُّب الأول، أي أني أقول
" أحقا كانت هناك حياة غير أدب؟ " وقد بُدِّلَت عنى الدنيا غير الدنيا،
والسماء غير السماء، والأرض غير الأرض، وكريم غير كريم.
أما الكتابة فبعد أن
أدخَلَني سوق الخردة إلى عالم الأدب من باب مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله، فقَد
ثُبِّتْتُ في حوضِهِا برِياض مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، فبعدَ أن تعلَّمتُ من
المنفلوطي كيف يكون الجمال في الحرف، عُلِّمْتُ من الرافعيُّ كيف تكون القوة في
الحرف، ولما زِدتُ هذا المصطفى الأول إلى المصطفى الثاني استوعَبَ صدري ما قَصُرَ
عن تحَمُّلِه وحده ففاضَ على الورق فيضا رُشَّت لُجَّتُه على بعض من قرأه، وكنت يومها
لم أكن إلا حِرفيا دون درس، فمن الذين بُلُّوا برذاذ ذلك الحرف المتواضع أول من
نصحنى بخوض تجربة الباكالوريا الحرة، الفاضلة عائشة بالقاضي الغزلافي، ثم الفاضلة
أم أسامة البنا، ثم أستاذي الفاضل مولاي أحمد أمناي، فحاورتُ نفسي في الشأنِ
وداوَرتُها فيه أأنا أخوض هذا بعد ثلاثة عشرة سنة انقطاع، وبعد لأيٍ توَكَّلتُ
فأُكرِمتُ، فنلتُ شهادة الباكالوريا سنتنا هذه 2022م ومنها ولجتُ الجامعة في سنتي
الأولى منها هذه لأكون صاحب درسِ العربية، فهكذا ولجتُ عالم الكتابة سيدي أحمد
_ لماذا اخترت القصة القصيرة؟ وماذا يمثل لك هذا
الجنس الأدبي؟
اخترتُ القصة القصيرة لأنها ـ وبعد تأمُّلٍ ـ هي التي لها في كل إنسانٍ قابِلِيَّةٌ لتقَبُّلِها، و أن جانب عظيم من حياة الفرد.. لا يستقيمُ و لا تُشَكَّل فيه هويته إلا بالقصة القصيرة، ولأن الله عزَّ وجلّ هو الأعلَمُ بما خلق، وما يُخالَجُ منه هذا المخلوق في مكامِن نفسه، فإنه جلَّ شأنه ما عرَّفَ الإنسان بجانب عظيمٍ من شؤون دينه إلا بقصص قصيرة في الكتاب الذي أوحى به إلى أشرف الخلق، بها عرَّفهم أخبار الانبياء، وأخبار المؤمنين، وأخبار الذين ظلموا أنفسهم، وفي السُّنة المُطهرة عرفنا شمائل الحبيب صلى الله عليه وسلم والأحكام في أحاديثَ من أحداثٍ مكثَّفة وحوار وبداية ونهاية وخطرات وسكنات، بالقصة القصيرة ينتقِل الخبر من الأمة إلى الأمة، لأنها ألصَقُ النَّفسِ بالنَّفس، فكل التِقاءٍ لبشَرٍ ببشرٍ قصة قصيرة أما أن تكون منهما، أو أن تكون ممن رآهما، لا يفرُغُ حيِّز من الدنيا من قصة قصيرة، بل بها يدفعُ الناس الناس، فيكفيكَ ضربٌ للمثل أني في هذه المسابقة شاركتُ بقصة من 280 كلمة مكتوبة كتبتُها فيما لا يُجاوز النصف ساعة، فأقلّ قصة قصيرة ستسمعها في أول سيارة أجرة من سائقها ستستقِلُّها من لحظتك هذه ستتكوَّن من ألف كلمة منطوقة في رحلة قد تدوم لدقائق معدودات، فكل إنسيٍّ راوٍ للقصة القصيرة، إلا أنه ليس كل إنسيٍّ يكتب، وما دام أنه راوٍ.. فإنَّ في جِبِلَّة طبعه البشريَّ قابلية بأن يقبل القصة القصيرة، إلا أن كل هذا والقصة التي عند الأديب كأنك دخلت موطنا تتمطَّرُ الحمائم في سمائه وتدفُّ وتُحَلِّق وتتماوَج، لكنك إذا دخلتَ مطعما تجد فيه حمامٌ طازِجٌ زكيٌّ الرائحة دانية قطوفه لكل آكل، فالحمائم التي في السماء هي القصص القصيرة البارِعة التي تُغزل في كل الأفواه فيُعصَفُ بها فتطيرُ وتتلاشا في الهواء دون قارئ، أو ربما حتى دون سامِع، من فم الخبَّاز والإسكافي ومثبِّتُ اللّافتة في الجدار والمرأة التي تجرُّ يد ابنها وذلك المنحني الذي يكشف على ركبته بالدرهم عن رمز التعبئة وذلك الذي يُسلِّك البَالُوعة فبوغِثَ من فأرِ انقذَفَ وانجَحَرَ في المقهى فأُلِّفَتْ به ألف قصة في ألف بيت، دون البيوت الذين لم يكن أصحابها حاضرين إلا أنهم التَحَقوا بعد أن فُرِغَت الكراسي الأولى... أما ذلك الحمام الذي في المطعم.. فتلك قصة الكاتب المُخَلَّدة، التي صُقِلَت بفنِّها المستقلّ كما صُقِل ذلك الحمام المطبوخ بفنِّه المستقِلّ ليؤكَل، أو..ليُقرأ، فلا فراغَ لسماء الدنيا من
الحمام.. أي.. لا فراغ لها من القصة.
_ كيف قررت المشاركة في المسابقة؟
لم أكن ساعتها إلا في ورشة العمل، حتى وصلتني رسالة على تطبيق الواتساب من صديقي وزميلي في الجامعة الطيب الفاضل الحسين أقديم، فيها رابط المسابقة، والذي أقدَمَني على استِسْهالي المشاركة فيها رغم حرفي المبتدئ المتواضع هو ثقة بعض الأفاضل في ما أخطُّه، والحقُّ أن الثقة نابعة من ثقتي بهم وبقدْرهم لا من ثقتي بحرفي العَيِيِّ الأعرج والله، أذكر من هؤلاء الأفاضل أحبابي الأساتذة بوجعمة الجرجاني، والحسن الساعدي، ومحمد صدقي، وعيسى أوبابا، والأستاذة صباح القلوبي، ومن ثقة هؤلاء ومن مثلهم... استيْسَرتُ قرار المشاركة فقرَّرتُه، وكذلك.. الجدية التي لمستُها من إعلان المسابقة.
_ما طموحك؟
أن أترُكَ ورائي حرفا يُحبِّب في اللغة العربية كل من استَنسَمَهُ، وأن يُخرِجَهُ من حياةٍ إلى حياة، كما فعل بي الحرف الذي خلَّفَهُ وراءه.. صاحب الشارب.
حاوره: القاص أحمد شرقي
مجلة فن السرد/ حوارات
إرسال تعليق
اترك تعليقك هنا
الرجاء تغيير موقع التعليقات في الإعدادات إلى مضمن