لوحة للفنان حسن عين الحياة |
الظل المقلوب
لم يحتج سوى إلى أربعين ثانية ليدرك أن جسمه ضعف فجأة، فالكرش التي كانت تتقدمه وترتفع كهضبة يسمدها ويسقيها وتزداد شموخا، هذه الكرش فارقت جسده تماماً.
تحسس كذلك لحية المجاملة حول وجهه، تلك اللحية التي ربَّاها من أجل الآخرين، بشيبها وفوضاها، اختفت هي الأخرى. نهض مسرعا جهة المرآة. لاحظ أيضاً خفته ووثبه الشبيه بخطوات طفل. لم تكن لديه مرآة! كان عادة ما يستعين بغلاف كتاب أسود يضعه خلف زجاج النافذة، فتنعكس صورته أمام عينيه.
وجد كتاب الكيمياء ذاك ورأى فيه نصف هيئته العلوي. وجهه بلا شعر، ليس فيه سوى زَغَبٍ بدا مثل سهام صغيرة تشير إلى الوراء، إلى سنواته الهاربة. رفع جسده واعتمد على أطراف أصابع رجليه لكي يرى بطنه، وحين تأكد أن الضمور الذي كانت تمسحه يداه حقيقة، اعتراه الخوف. لم يعرف من قبل خوفا يتعلق بتحولات الجسد، ولكن ما فاقم الرعب في نفسه هو يقينه من أنه لم يكن يحلم. أجال عينيه في المكان. تأمَّل سريره جيداً، كأنه يبحث عن جسده النائم. قلب الغطاء فلم يجد أحداً غيره هو نفسه الواقف الآن وحيدا في غرفته.
فتح باب الغرفة، ثم باب البيت. لم يره أحد. كل من عبر أمامه لم يحفل لوجوده. أطفال كانوا يلعبون صرخوا حين اقترب منهم. رأوه عاريا.
القاص محمود الرحبي
مجلــة فـــن الســرد/ محاكاة
إرسال تعليق