عَالَمٌ افْتِرَاضِيٌّ
نزلت السّيدةُ من سيارتها
الفارهة، ودخلت "السّوبر ماركيت" أمسكت بمقبض عربة التّسوق، وتقدمت بين
صفوف ورفوف البضائع المغرية، وبيدها اليسرى ابنها ذي الثّماني سنوات، غضبانَ، دامع العينين، محمرّ الوجه، هزيل البنية،
متثاقل الخطى، تنهره حينا، وحينا يركن، فتجرّه قهرا !
تتجولُ السيّدةُ بين الأروقة
ذات الرّفوف المتعددة، تأخذ الحاجيات وتضعها في العربة، والطّفل يتبعها...
وفي لحظة تخلّف عنها، واقتعد
الأرض، تعال بكاؤه، وما لبث أن انقلب بكاؤه إلى صراخ حاد، حتّى أثار انتباه
المتبضعين، في بادئ الأمر حاولت تهدئته بلطف، وهمست في أذنه:
ــ "في المساء، سأخرج معك إلى الحديقة لتعلب
الكرة".
لكنّه تمادى في بكائه.
ــ "سنذهب لزيارة
جدتك".
رغم ذلك، لم يحجم عن بكائه،
بل، هذه المرة، بدأ يعبث بمشترياتها، ويقذف بالمعروضات المرصوصة على الأرض.
كان حارس الأمن على مقربة
منهما، حاول أن يتدخل، لكن مدير المتجر أشار إليه بإشارة خفيفة فابتعد، وتقدم
المدير بخطوات واثقة من السّيدة، وقال لها:
ــ "ما اسم ابنك
سيدتي".
ـــ "جاد".
ومدّ يديه إلى رفّ كتب صغير
في زاوية هامشية، وحمل بين يديه قصة ملونة:
ـــ "مرحبا جاد، هذه
قصة "جحا والأربعون حرامي" إنّها طبعة جديدة وفاخرة، وملونة كذلك".
أمسكها الطّفل، ورمى بها في
الهواء !
حاولت الموظفة الشّابة أن
تهديه قطعة شوكولاتة، فالأطفال يحبون الشّكولاتة، أخذها منها، وبدأ يمصها، وسرعان
ما ألقى بها على الأرض !
ــ "عزيزي جاد، تعال
معي إلى قاعة الألعاب،
حيثُ الأرجوحة هناك".
تبعها إلى قاعة الألعاب
المخصصة للأطفال، وما هي إلاّ هنيهة حتّى اقتعد الأرض مرة أخرى، متكئا على الجدار،
وعاد للبكاء من جديد، وكأنّه أدرك أنّهم يساومونه على لعبته المفضلة.
كانت الأمّ، تملأ عربتها
بالأطعمة المعلبة والجامدة، فوصلها بكاؤه وشغبه، اتجهت إليه بسرعة جنونية، وقفت
أمامه، وَهَوَتْ على خدّه الصّغير بصفعةٍ قويةٍ، وفي لحظةٍ حكيمةٍ بين التّحدي
والاستسلام مدّته بهاتفها الخلويّ.
أمسكَ الطّفلُ بالهاتف
مبتسما، وفي فرحٍ جنونيٍّ، فتح القّن السّريّ، فتح موقع الألعاب، و امتطى صهوة
طائرته الحربيّة المفضلة، وراح يطلق صوتا يشبهُ صوت الرّصاص، يجوبُ الكواكبَ،
ويقتلُ وحوش الفضاء، مدير المتجر، الشّابة
الجميلة، حارس الأمن، وكلّ المتبضعين، وربما كان يقتلُ أمه أيضا!
نصرالدين شردال
إرسال تعليق