فن الخطابة
على مر العصور والأزمان تتولّد فنون وتُستحدث إبداعات وتطفو على سطح الحياة ألوان جديدة تواكب العصر وتتماشى مع ذوق المتلقي الذي اختلف بصورة كبيرة عن متلقي الأمس .
و على النقيض تختفي فنون، و تندثر أدبيات وتتبخر إبداعات و تصبح من معالم الزمن الماضي لا يتذكرها إلا من عاصرها أو لحق نهاياتها .
وفن( الخطابة ) من الفنون التي اختفت نوعا ما( باستثناء الخطب الدينية المنبرية التي تسبق صلوات الجمع أو الاحتفالات الدينية ) .
اختفت فنون الخطابة و كان لها بريقها الأخّاذ في عصور سابقة كان لهذا الأدب أهميته التي استدعت أن يكون له مناهج دراسية بالمؤسسات التعليمية من مراحلها الأولى لما تحتويه من اهتمام بصحيح اللغة ونطق كلماتها بطريقة سليمة بمخارج منضبطة بألفاظها وعباراتها .. بل كانت من سبل التشجيع على نماء الروح الحماسية البطولية عند الأبناء وبناء الشخصية القيادية الممتزجة بالفكر و الثقافة والإبداع .
والخطابة تعريفًا هي فن الإلقاء المباشر أمام جمهور أو مجموعة من الحضور .. أي يقوم شخص واحد بمخاطبة مجموعة بشكل أشبه بالرسمي الهدف منه إيصال كلماته مباشرة على مسامع الحضور .
كما أنه يمثل جزءًا من فن الإقناع وإثبات رؤية معينة أو رأيا فكريا أو أدبيا أو ثقافيا .. كما أنه استخدم لأغراض خاصة كالمناسبات بكل أنواعها .. كما استخدم أيضا في أغراض التسلية والترفيه والترويح أيضا .. وكلها تندرج تحت مسمى الخطاب مادامت ارتكزت على أهم الشروط وهي الإلقاء من شخص أمام مجموعة .
وللخطابة مهام واستخدامات فهي والوسيلة السريعة لنقل المعلومات، أو للتحفيز على القيام بفعل معين أو للتشجيع أو للتكريم .. حيث يتضح رد الفعل والتأثير مباشرة على المتلقين من الجمهور ..
هناك أيضا نوعا من الخطابة الدعائية التي تستخدم في الأغراض التجارية
بل ولها تأثيرها البالغ في الإعلام الدعائي والعالم المهني الذي يحتاج لصيغ تخاطب اهتمامات الجماهير و أذواقهم المختلفة وعادة ما تكون مصحوبة بعنصر تمثيلي أو غنائي معين .. وهناك اعتقاد بأن ٧٠ بالمئة
من الوظائف تشمل شكل ما من أشكال الخطابة .
على الرغم من وجود أدلة على وجود فن الخطابة في مصر القديمة، إلّا أن أول قطعة معروفة عن الخطابة كتبت منذ أكثر من 2000 عام، في بلاد اليونان القديمة .
وكان أرسطو أول من قام بتسجيل معلمي الخطابة لأول مرة الذين استخدموا قواعد ونماذج محددة لفن الخطابة وأدى تركيزه على الخطابة إلى أن يصبح الخطاب جزءًا أساسيًا من التعليم الحر خلال العصور الوسطى وعصر النهضة.
وجسدت الأعمال الكلاسيكية القديمة التي كتبها الإغريق القدماء الطرق التي علموا وطوروا بها فن الخطابة قبل آلاف السنين.
وكان فن الخطابة في كل من اليونان وروما الكلاسيكية مكونا أساسيا للتكوين وإلقاء الخطب، مما شكل مهارات خاصة للمواطنين الذين وظفوها في الحياة العامة والخاصة.
وفي اليونان القديمة، كان المواطنون يلقون الخطب بأنفسهم بدلا عن توكيل محترفين عنهم، مثل المحامين في عصرنا، ليتحدثوا نيابة عنهم. مما توجب على أي مواطن يرغب في النجاح في المحكمة أو في السياسة أو في الحياة الاجتماعية أن يتعلم أساليب التحدث أمام الجمهور.
وتم تدريس أدوات الخطاب أولاً من قبل مجموعة من المعلمين البلاغيين أو ما سمي "السوفيسطائين" والذين اشتهروا بتعليم الطلاب مقابل الأجر كيفية التحدث بفعالية باستخدام الأساليب التي طوروها.
ويذخر التاريخ بآلاف الخطب التي كان لها تأثيرها على الشعوب سواء إيجابيا أو سلبيا وخاصة في أوقات الحروب والمعارك والثورات والأحداث الهامة في حياة الشعوب .
والسؤال المطروح الآن هو :
هل باندثار فن أو أدب الخطابة فقدنا جزءًا مهما من أدبنا العربي ؟ وهل تحتاج حياتنا الآن لهذا الفن ؟؟
أيمن خليل
مجلة فن السرد | زوايا
إرسال تعليق