سعدية بلكارح /كاتبة مغربية
عرف الأدب الحديث ثورة حقيقية، ظهرت ضراوتها بحدة في السنوات الأخيرة من هذا القرن.. وإن كان ميلادها في نهاية القرن الماضي أو منتصفه.. كقصيدة النثر التي أحدثت ضجة حول انتسابها للقصيد.. وهذا مجال لا يهمنا الآن الخوض فيه.. والقصة القصيرة جدا التي تناسلت من رحم القصة، بمعايير ومقومات تميزها عن شقيقتيها الرواية والقصة القصيرة..وعن باقي الضروب المستحدَثة الأخرى..
تمييزا يجعل القاص يستعمل بحنكته "ميزان التسوية" كالبنائين لضبط استقامة النص وعدم انزلاقه في تعريف آخر غير القصة القصيرة جدا. وهذا الميزان يؤتى المتحكمَ في آلياته، العارفَ بمقومات هذا الجنس التليد الذي رغم مرور زهاء النصف قرن من ظهوره ما فتئ يعاني من الاختناق بحبله السري..
ولعل أهم عناصر القصة القصيرة جدا الحكاية والمفارقة..
فمتى غاب هذان العنصران حذا التصنيف الخاطرةَ أوما شابه من النثر. و حاد عن شرعيته المكوّنة من ثلاث كلمات:
"القصة" تستوجب عنصر الحكاية .
"القصيرة" تستوجب الاختزال وقِصر الحجم دون غلوّ حتى لا تفقد اسمها الشرعي..
"جدّا" تضمين خاصيات عِدة كالتبئير والإضمار والترميز بحنكة دون الوقوع في بؤرة اللغز او النكتة أو الشذرة...
وأجزم أن القصة القصيرة جدا قد فرضت وجودها بثبات واستماتة.. والدليل على ذلك هو هذا الجدل الذي أولاها اهتماما كبيرا في الساحة الثقافية، وهذا الانكباب على إراقة المداد لتحضير مقاربات نقدية حولها، ترسيخا لهويتها التي لا شك أنها في دورة تخصيب مستمر ، سيؤتي نتاجه الطيب في المستقبل، ليكبر هذا المولود الهجين أخيرا ويأخذ تعريفه السيميائي الثابت، بعد كل هذه المخاضات والجهود الراهنة..
جزء من تقديم بقلم الكاتبة لمجموعة قصصية (2019)
إرسال تعليق